أعراض ستندال و”عوارضها” في لبنان
الاثنين 4 أيار 2009
– 595 –
في “المنجد” أن “العَرَض: ما يعرض للإنسان من مرض. ج:أعراض”، و”العارضة: ما يستقبلك من الشيء. ج:عوارض”.
وفي السائد بين النفسيّ/الجسديّ من الأمراض: “أعراض ستندال”(Le syndrome de Stendhal وتشخيصها الطبّي: نوبات تسبّب تسارع دقات القلب، والدوار، وضيق النفَس، وحتى بعض الهلوسة، يصاب بها المرء أمام وفرة الجمال في الأعمال الفنية). وعن دراسات السيكولوجيا أن هذه النوبات تصيب من هم مرهفو الإحساس وقادرو الروائع الفنية العالية. ولهذه النوبات اسم آخر: “اضطرابات السفر” أو “أعراض المسافر”.
أما نسبة هذه الـ”أعراض” الى الكاتب الفرنسي ستندال (هنري بايل: 1783-1842، صاحب الروايتَين الشهيرتَين “صومعة پارما” و”الأحمر والأسود”) فتعود الى انفعالاته خلال سفره الى إيطاليا (1817) وزيارته في فلورنسا بازيليك “سانتا كروتشه” (الصليب المقدّس) وفيها مَجموعة كبيرة من روائع الفن الإيطالي في عز عصر النهضة. يومها كتب: “في البازيليك أحسستُ برعشةٍ هي بين مشاعر الوله والولع ومشاعر سماوية ولّدتْها بي الأعمال الفنية العظيمة. ولدى خروجي من البازيليك أحسستُ بتسارع دقات قلبي، وبأنّ الحياة تخرج مني، وترنّحتُ حتى كدتُ أقع أرضاً، فهوَيتُ على مقعد في الباحة، وتناولتُ قصيدةً رحتُ أقرأُها كي أستعيد قواي، فشعرتُ بأن للقصيدة صدى أكبر في قلبي المفعم بالانفعال من روعة الفن والجمال. تُرى، هل يَموت الإنسان من صعقة الجمال في الفن؟”.
لَم تتشخّص هذه الظاهرة “مَرَضيّة” حتى سنة 1979 حين صدر كتاب عالِمة السيكولوجيا غرازييلاّ ماغيريني “أعراض ستندال”- ميلانو 1996) بعد معاينتها نحو 100 حالة مشابِهة لسياحٍ زاروا فلورنسا “مهد النهضة”. وتذكُر أن الظاهرة تصيب من يزورون متاحف فلورنسا المتتابعة المتجانبة (نحو 50 متحفاً في المدينة) ويعاينون دقة الريشة التي رسمت أو الإزميل الذي نَحَت، فإذا بروعة الفن الْمُحاكي الواقع تأخذهم الى حالة نفسية عليا تفصلهم عن واقعهم فتصيبهم نوبات قشعريرة أو اضطراب أو صراخ أو حتى هجوم على اللوحات أو التماثيل لإتلافها، ومن هنا جهوزية حراس المتاحف لضبط أية تصرفات من هذا النوع باتوا متهيِّئين لها لكثرة تكرارها في تلك المتاحف. ومن هنا شاعت التسمية العامة “أعراض فلورنسا” والتسمية الطبيّة “أعراض ستندال” (Le syndrome de Stendhal).
وفي أماكن أخرى تَمّ تسجيل حالات “هستيرية” من روعة الفن أمام تماثيل “دافيد” (لميكالانج)، و”باخوس” (لكاراڤاج)، و”فينوس” (لبوتيتشيلّي). وذكرت غرازييلاّ ماغيريني أنها عاينت في عيادتها (مستشفى سانتا ماريا) حالات “عذاب جسدي” حقيقي أمام روائع الفن العالي، ووصفت تلك الظواهر بأنها انتقال الى حالة نشوة روحية تؤدي الى الشعور بالانفصال عن الجسد المادي، وعَزَت ذلك الى “شخصية شديدة الإحساس، أو تعب السفر، أو الشعور بِهيبة فلورنسا مدينة عظماء الفن”.
الشاهد من هذا الكلام؟ الانتقال من فلورنسا الى لبنان، لبنان الذي حين يتجوّل فيه سياحٌ متنوّرون يصابون برعشة مُماثلة (قد لا تبلغ “أعراض ستندال”) أمام جماله الطبيعي وطابعه السياحي وهيبته التاريخية وإرثه الأثري وتراثه الثقافي والفكري والبشريّ الضالع في الإرث العالَمي. وهي ظاهرة تتكرر يومياً في انفعالات السياح تدويناً أو شفاهةً أو نقلاً عند عودتهم.
فلنعرف كيف نحافظ على لبناننا لؤلؤةَ جمالٍ ثقافيةً وسياحيةً وتاريخية وأثرية، كي تبقى “أعراض” الدهشة الجمالية والثقافية زاد سيّاحنا بعدما يغادرون. وإلاّ، فلن يأخذ سيّاحنا معهم إلاّ “أعراض ستندال” (كما في فلورنسا) أمام جمال لبنان، و”عوارض لبنان” السلبية أمام صور المرشَّحين هذه الأيام، وإعلاناتهم الانتخابية التي هي أبعد ما يكون عن دهشة الجمال في لبنان.