كي نستاهلَها عاصمةً عالَميَّة للكتاب
السبت 25 نيسان 2009
– 594 –
أن تشيرَ الطفلةُ بنتُ الأَشهر التسعة بيديها الى كتاب ملوّن الغلاف بصوَر الألعاب والحيوانات الأليفة طالبةً من أمها وضْعه الى جانبها في السرير كي تنام، وأن يذهب الطفل ابن السنتين الى خزانة غرفته يأخذ منها كتاباً مبهرج الغلاف طالباً من أُبيه أن يقرأ له فيه قبل أن ينام، مؤشِّرٌ لا الى نباهة الطفلَين فطرياً وحسْب، بل الى جوٍّ في البيت عابق بِحضور الكتاب، بدأ يلفت الأطفال منذ الأشهر الأولى فالسنوات الأُولى الى صداقة الكتاب والاعتياد عليه رفيقاً ثم عادةً ثم حاجة.
مع الافتتاح الرسمي (اليوم، السبت) لـ”بيروت 2009 عاصمةً عالَميةً للكتاب” يَجمُلُ أن نتوقّف عند تفعيل العلاقة مع الكتاب، تَوازياً مع أنشطة مرتَقَبَة له أو حوله في بيروت وفي كل لبنان طوال الأشهر الاثني عشر المقبلة من السنة العالَمية.
وتفعيل العلاقة لا يبدأ مع الذين انطوَوا على إدمانِهم شاشةَ الكومبيوتر والإنترنت، أو على من هجروا إدمان القراءة، بل يبدأ مع الجيل الذي لم يبدأ بالقراءة بعد، حتى إذا بدأ بالقراءة لا يعود الإنترنت بديلاً لديه بل رديفاً.
في دراسة معمَّقة بعنوان “تأثير القراءة على العقل” وضعتها آنّا كوننغهام (أستاذة الإدراك والتنمية لدى جامعة كاليفورنيا في بيركلي) أثبتَت أنّ “للقراءة ثلاث فوائد رئيسية: تُغْني مفردات اللغة أكثر من التكلُّم أو التعلُّم (أو مشاهدة التلفزيون)، توسّع مساحة الثقافة العامة بإنقاصها مساحات التضليل من أيّ مصدر آخر، تَحفظ نضارة الذاكرة والتحليل رغم التقدُّم في السنّ”. وفي ختام الدراسة خلُصَت كوننغهام الى أن “القراءة تزيد الإنسان ذكاءً يظلُّ لا ينفكُّ يتنامى مع ازدياد القراءة”.
من هنا أن أُفق المعرفة (وتالياً الذّكاء) يزداد في القراءة المتأنّية (المثبتة في الصفحة الممكن الرجوع الى أيّ مكان لديها في أيّ وقت) أكثر من الأثير العابر في التلفزيون أو الإذاعة، أو الحديث العابر في التكلُّم أو التعلُّم. إذاً: من يقرأ أكثر يعرف أكثر. وهنا أهمية أن يبدأ الجيل الجديد بالاعتياد على القراءة منذ السنوات الأُولى، كي يصبح إدمانه مصدر معارفه ومداركه اللاحقة. وذكْر “الجيل الجديد” يؤشِّر في وضوح الى دور الأهل (مرحلة ما قبل الدخول الى المدرسة) لِجعل القراءة في البيت عادةً ثانية، طبيعةً ثانية، تَغْنى وتتطوّر وتنمو مع السنوات المدرسية الأُولى، حتى تَجيء المكتسبات العلْمية والثقافية المدرسية روافدَ للتلقّي تجد طريقها في سهولة منسابة عبر القراءة حين يعتادُها الجيل الناشئ تلقائياً من دون إرغام أو وسائل توعية وتنبيه. عندئذ يصبح مُمكناً على الأهل نصْح الأولاد (أو تنبيههم) بالتخلّي، في أوقات عدة، عن “الريموت كونترول” أمام الشاشة الهادرة الوقت والعمر، والدخول الى الغرفة لسويعةِ قراءةٍ تَجلب لهم المعرفة (إذاً الذكاء المتنامي) أكثر من برنامج تلفزيوني يسلّي ولا يفيد.
والكلام على مشاهدة التلفزيون ينسحب على “معاقرة” الإنترنت حين تَخرج شاشته عن أن تكون مصدر معلومات رديفة للكتاب، لتكون ساحة هدر الوقت للتسلية.
لذا لا خوف على الكتاب من الإنترنت ولا من التلفزيون حين يعمل الراشدون (أهلاً ومدرّسين ومسؤولي مدارس) على شَقّ طريق الكتاب الى عقل التلامذة الصغار (ترغيباً وتَحبيباً وتدريباً) حتى يكون الكتاب عادةً فحاجة ثم “إدماناً” مفيداً.
“بيروت عاصمة عالَمية للكتاب” ولبنان ربيب الكتاب؟ فلْنَجعلْها مؤشِّراً لـ”العودة” الى الكتاب في البيت، في المدرسة، في أوقات الفراغ أنّى تيَسَّرت، ليغنَمَ الكتاب من قرّائه، مستهلكينهُ الى التثقُّف والتمدُّن والتحضُّر، ويغنمَ اللبنانيون من هذه الجوهرة التي لا تعادلُها لِدَةٌ في الجواهر.
هي هذه، لأجل نعمة الكتاب، رسالةُ بيروت عاصمةً عالَمية للكتاب. فلْنكرِّسْها رسالةَ لبنان الأُولى، كي لا تكون هذه السنة العالَمية مُجرَّد أنشطة ناجحة استعراضية أو استهلاكية تنتهي فعاليتها مع انتهاء السنة (نيسان 2010). فلْنُثْبِتْ أيضاً وأيضاً أننا نستاهل بيروتَنا الحبيبة عاصمةً دائمةً للكتاب هذه السنة وجميع السنوات.