سياحة ثقافية إلى بسكنتا
السبت 5 تموز 2008
– 554 –
تتواصل عندنا مغاني السياحة الثقافية (أحد أبرز وجوه لبنان السياحية، إلى وجوهها الأخرى: الأثرية، التاريخية، الدينية، البيئية، الاستشفائية، الطبية، الطبيعية، الجمالية،…). وبِهذه “السياحات” يَغنى لبنان ويُغني، يَتميّز ويَتفرّد.
بعد افتتاح متحف الياس أبو شبكة في زوق مكايل، وبدء استقطابه زواراً مَحليين وسُيَّاحاً عرباً وأجانب، ها نَحن أمام افتتاح جديد في بسكنتا: “درب بسكنتا الأدبي” و”حديقة عبدالله غانم الثقافية”، ببادرة نبيلة وفيَّة للأرض الأم وأبنائها قامت بِها بلدية بسكنتا و”مؤسسة عبدالله غانم” وجمعية “درب الجبل اللبناني” وشركة “إيكوديت”، واحةً جديدة تطل علينا من بسكنتا، ومستقطبةً في بسكنتا زواراً من لبنان وسُيَّاحاً عرباً وأجانب إلى منارة لبنانية شعّ منها كبار لبنانيون نعتزّ بانتمائنا إليهم.
فالتحية لبادرة البلدية (أن تُسهم في نشاط ثقافي إبداعي، كما سبق وحَيَّينا بلدية زوق مكايل على بُنْيتها الثقافية التحتية والفوقية معاً)، ولـ”درب بسكنتا الأدبي” (مسافة 24 كلم تُبرز المعالم الطبيعية والثقافية والأدبية وعلامات أعلام بسكنتاويين) في ظاهرةٍ نأمل أن تتواصل في كل بلدةٍ أطلعَت للبنان مبدعين يبقى على اسمهم دربٌ هو المسلك الحسي للتراث الأدبي، ولـ”إيكوديت” التي تُنشئُ “درب الجبل” على 440 كلم (من القبيات إلى مرجعيون) في ما تعتبره “سياحة بيئية” (كما سماها رؤوف يوسف، مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) ونعتبرها نَحن “سياحة ثقافية”.
تبقى تَحيةٌ خاصة للرئيس الدكتور غالب غانم (رئيساً لـ”مؤسسة عبدالله غانم” وحافظاً تراثَ الوالد الكبير نصوصاً وإضاءاتٍ ومعالِم) على إنشاء “حديقة عبدالله غانم الثقافية” (حول مركز عبدالله غانم الثقافي والمدرج والمسرح ذي التهيُّؤ اللوجستي لاستضافة أنشطة ثقافية). فهذه البادرة الطليعية تؤسس لنبض عبدالله غانم حياً في كل مناسبة (من هنا هي أفضل من التمثال الجامد) وحاضراً في كلّ احتفال (من هنا هي أفضل من اسمه على بلاطة عند ناصية شارع) وشاهداً على تنامي حركة أدبية وثقافية غالية على قلبه في بسكنتَاهُ الغالية جداً على قلبه (من هنا هي أفضل من شاهد صقيعي على رخام ضريح).
وأصاب الـ”غالب” الوفي في وَسْمه مكانَ الحديقة بـ”فُسحة عرفان تُخلّد ذكرى الابن في مدارج الأرض الأُمّ، وربوةٌ من ربوات الحصين، وريحانةٌ في ديار الرياحين، وحديقة صغرى في رحاب حديقة ثقافية كبرى هي بسكنتا: الرحِم الوَلُود، والأُم المنجاب تتفجّر فيها المواهب كما تتفجر الينابيع”. بعد هذا الإغداق من الوفاء البنوي، كان طبيعياً أن تكون الحديقة منارة درب بسكنتاوي أدبي يَحرسه الكبار: ميخائيل نعيمة، عبدالله غانم، رشيد أيّوب، جورج غانم، سليمان كتّاني، أمين معلوف (ابن عين القبو، جارة بسكنتا) إلى كعدي كعدي، والخوراسقف بطرس حبيقة (الشاعر المجهول)، وجذور أمومية لِميشال طراد، وجميعهم تضمهم بسكنتا في دربها الأدبي، وتستضيفهم إليها حديقة عبدالله غانم.
هذا الفيض… هذا الفيض الرائع! أيُّ غنى للبنان الإبداع الأدبي والشعري والثقافي تَجمّع في تلك اللؤلؤة الجبلية التي قالها ابنها الوفي غالب غانم “حسناء الريف المسوّرة بالجبال، المكتملة لوحتُها بوادي الأغوار والأسرار، من أعمق الأعماق إلى مطاولة الآفاق، إلى هدرة الشلال إلى تغريد الطير، إلى نُعمى الْمناسك والْمَحَجّات”.
طوبى لَها بسكنتا، بأعلامها المكرَّسين، بِحديقة عبدالله غانَمها تستضيف رعيله ورعيلنا والآتين، بغالب غانَمها أميناً وفياً على الإرث والأمانة. وطوبى لنا، يا ربّ ، يا ربّ، بِمجد لبنان اللبناني، أبي الأدب والشعر، أبي الشعراء والأدباء. فأعطنا، يا ربّ، أن نستحقَّ وفاءنا لِملكوت هذه النعمة، تكفيراً عن “يوضاسية” السياسيين.