أيّها السياسيون: ماذا تفعلون بلبنان؟
السبت 9 شباط 2008
– 533 –
كلما اشتدّ التأزُّم السياسي سقطَ الوهم أكثر عن الأقنعة، وأدرك الناس أن الحاصل ليس الفراغ الرئاسي بل الفراغ في ضمائر سياسيين يقودون البلاد الى الفراغ، ويُصرّون أن يظلّوا مصلحجيين موتورين متوتّرين شخصانيين أنانيين معرقلين متعرقلين، وفوق كلّ هذا لا تغيب صُوَرهم عن الشاشات، ولا أصواتُهم عن الإذاعات، ولا تصاريحهم عن الصحف والمجلات، نازلين شتائم في أخصامهم، وتنظيراً في مصلحة الوطن التي، قال، يعملون لها، ويُطلقون أزلامهم ومَحاسيبهم وأعضاء تشكيلاتهم السياسية يَردُّون على البيانات ببياناتٍ مضادّة، أو تتنطح للردّ، بعد الأزلام، مكاتبهم الإعلامية يَختبئون وراءها ليقصفوا أخصامهم والمواطنين بِما يُبعدُ الناس عنهم بسقوط الأقنعة عن وجوههم الحقيقية.
وسط هذا التأَزُّم الدوّاماتي يسأل الشعب (الشعب غير الاصطفافي وراء زعمائه قطعاناً عمياء ببغاوية) عن مدى استحقاق هكذا سياسيين أن يكونوا ساسة البلاد يتحكَّمون بمصيرها ومصير اقتصادها ومستقبل أولادها وصورتها في الخارج بين الدول.
يسأل الشعب إن كانت نتيجةَ اختصام السياسيين: أن تصبح الجامعات في لبنان، بسببهم، جسر عبور شبابنا من الدراسة الى التيهان نحو بلدان العالم البعيدة التي فيها أمان لهم ومستقبل، حتى لم يعد لبنان، بسبب هؤلاء السياسيين، مخزون الثقافة والعلم في المنطقة، بل بات شركة بشرية لتصدير الأدمغة اللبنانية الى العرب والعالم، فيفرغ منهم لبنان ويمتلئ بهم العالم.
يسأل الشعب نواب البلاد الذين لم يجتمعوا منذ أكثر من سنة، إذا كان واحد منهم اعتذر عن قبول راتبه الشهري إذ لا يزاول واجبه التشريعي لأن المجلس مقفَل أو معطَّل أو عاطل عن القيام بما يستاهل أن يقبض النائب راتبه (ومخصصاته) لأجله.
يسأل الشعب وزراء الحكومة، الحردانين منهم والمعتكفين والتصريحاتيين اليوميين والمزاولين والمستقيلين والمستقالين، إذا كانت شؤون الناس تدار هكذا في معاملة عرجاء يتناوب عليها وزير أصيل ووزير بديل، ويذهب الى المؤتمرات الخارجية وزير أصيل لا يعترف به الوزير البديل، أو وزير بديل لا يعترف به الوزير الأصيل، وتزداد البهدلة في عيون منظمي المؤتمر وحضوره.
يسأل الشعب هؤلاء الـ”بيت بو سياسة” الـ”توكْ شُو”وِيّين (عشاق الـ”توك شو” والمتهالكين على الشاشات والهارعين الى التنظيرات والملهوفين على الردود والانفعالات): الى متى ستظلّ وجوههم هي ذاتها، وكلماتهم ذاتها، وتنظيراتهم ذاتها، وشتائمهم ذاتها، وتبريراتهم السخيفة ذاتها، وتحريضاتهم السامّة ذاتها، والناس يشتمونهم على الشاشات ويتحوَّلون عنهم قرفاً.
يسأل الشعب هؤلاء السياسيين إذا كانوا منتبهين الى أنّ اللبنانيين خارج لبنان يتساءلون: هل حقاً هؤلاء هم سياسيو لبنان الذين وضعوا في وحل الخجل والعار رؤوس اللبنانيين المرفوعة في الخارج باختراعاتهم واكتشافاتهم ونجاحاتهم وإشعاعاتهم حيثما هم في مجتمعاتهم الدولية والعالمية… وهل يمكن أن يمثِّلَهُم، أو يكون زعماءَهم، هؤلاء السياسيون داخل الوطن؟
السياسيون المعنيون بهذه الكلمات يعرفون مَن هُم. وغير المعنيين بهذا الكلام يعرفون أيضاً مَن هُم. لكن الفريقَين، المعنيين وغير المعنيين، مسؤولون عما وصل إليه لبنان الذي، بسببهم وبسبب سياساتهم، لا يزال مزرعة لهم أو عشيرة أو قبيلة يسوسونها بعقلية المزرعة والعشرية والقبيلة وليس من صالحهم أبداً أن يصبح لبنان دولة فيها مؤسسات نظامية تعتمد المواهب لا المذاهب.
ولأنهم كذلك، يَلحَسُون مبرد التهييص الإعلامي غيرَ مدركين أنّ الذي ينْزف هو دمهم لا دم لبنان (لأن لبنان سيكمل بشعبه اللااصطفافي) وسيسقطون عند مبردٍ أرادوا يَبْرُدُون به ألسنة أخصامهم فَبَرَدُوا ألسنتهم هُم وسقطوا صرعى النّزف، ولن يستحقوا، بعد شتائمهم، سوى شماتة الذين سيسترخصون عليهم حتى اللعنة الشامتة.