520: رئيس الجمهورية و… طابة الروليت

رئيس الجمهورية و… طابة الروليت
3 تشرين الثاني 2007
– 520 –
لا ألعب الروليت. لكنني أعرف أنّ لاعبها يقذف الطابة الى دائرة الخانات المرقّمة، ولا يعرف أيَّ رقم سترسو عليه فيربح أو يخسر. لعبة حظ. لعبة مصادفة. لعبة الثانية الأخيرة. لعبة قدر لا يسيطر عليه إلاّ هوى الطابة الأعمى. ثانية واحدة قبل رُسُوّ الطابة، لا يعرف اللاعب أيَّ رقم ستصيب.
هكذا نحن اليوم في لبنان عشية انتخاب رئيس الجمهورية: الجمهورية كلُّها طاولة روليت، اللاعبون حولها (من داخل ومن خارج) رُماة طابة مراهنون. رهانُهم شخصيّ فرديّ ذاتيّ يعود بالنفع لهم ولمصالحهم الشخصية والفردية والذاتية. والرئاسة طابة في أيدي اللاعبين يتقاذفونها على طاولة الروليت وينتظرون في أية خانة سترسو. والشعب آخر من يعلم على أيّ رقم (اسم) سترسو الطابة، ومن سيكون الرابح (الرئيس) الذي على رقمه سترسو الطابة.
الى هذا الحد؟ نعم الى هذا الحد: بلغ التناحر والتنافر والتناهش بين موارنة “مرقد العنْزة” حدّ أن فتحوا شهوة الأطراف (الخارجيين والداخليين) في تقاذُف الطابة، يشدّ بها كل طرف لصالحه ومصلحته و”ارتباطاته” (الداخلية والخارجية)، ولا مشيئة للشعب اللبناني ولا رأي ولا خيار، واللاعبون يتغرغرون يومياً في وسائل الإعلام بأنهم يعملون “من أجل الشعب اللبناني”، ومستعدُّون “للتضحية في سبيل الشعب اللبناني”، وجاهزون لـ”تلبية الواجب الوطني متى دعاهم الشعب اللبناني”.
لم يحصل في بلد من بلدان العالم أن أصبحت الرئاسة طابة روليت يتقاذفها اللاعبون (الداخليون والخارجيون) بشكل يجعل الشعب حتى ربع الدقيقة الأخير لا يعرف من سيكون الرقم (الاسم) الرابح على طاولة الروليت. ففي النظام الديمقراطي يعرف الشعب سلفاً (وبعد حملة انتخابية طويلة ذات برنامج معروف وموزّع على الشعب) أن الرئاسة آيلةٌ الى أحد مرشّحين اثنين أو ثلاثة. وفي النظام التوتاليتاري يعرف الشعب سلفاً أن الرئاسة “مطوَّبةٌ الى الأبد” لهذا الملك (أو ابنه) أو ذاك الرئيس (أو ابنه) أو ذلك الحاكم (أو ابنه).
أما أن تكون الرئاسة طابة “اللحظة الأخيرة” على طاولة الروليت، فهذا طراز لم يحدُث كما يحدث في لبنان الذي، ذات فترة، “صفع” العالم العربي بـ”ديمقراطية الصوت الواحد” (في 23 آب 1970: فوز سليمان فرنجية على الياس سركيس). ومن يومها أخذت الرئاسة تنهار: من إدارة الأزمة الى رئاسة الوصاية الى رئاسة طابة الروليت.
وها هو الويل اليوم على أبواب الاستحقاق، يهوّلون به على شعب لبناني قلق مضطرب خائف يتطلّع الى زعمائه فيجدهم متناهشين متمترسين في عنادهم. ويتطلّع الى بكركي ناهداً الى جواب فتطالعه بكركي بسؤال: “أيسمعونني إن أنا سمّيت مرشَّحاً؟”. وكيف لشعبٍ يفقد الأمل في مراجعه الدينية والدنيوية أن يأمل في مستقبلٍ لأولاده الذين لم يهاجروا بعد؟
نعم. هكذا نحن اليوم عشية الاستحقاق الرئاسي: الرئاسة طابة روليت، اللاعبون حول الطاولة ممدودو الأيدي يتقاذفون الطابة، والشعب عالق بين أصابع اللاعبين وخانات الأرقام المجهولة، لا يعرف (قبل ثوانٍ من وقوف الطابة) أين ستقف الطابة.
هكذا نحن اليوم. وهكذا شعبُنا. وهكذا موارنة لبنان في مواقع القرار.
يا مار مارون: شو رأيك بهذا النسل العبقري؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*