ضوء لبناني عالمي آخر: نادين لبكي
10 تشرين الثاني 2007
– 521 –
فيما تزداد العتمة (السياسية طبعاً، وهل غيرُها يُغرقنا في الظلام؟) فوق سماء لبنان ويرانا العالم من خلالها بلداً مضطرباً قاتِماً لا نور فيه ولا ضوء انفراج،
وفيما يتشدّق البعض بأن لا سينما في لبنان اليوم، ولا مسرح، ولا حركة فنية لائقة (غير قبابيط المطاعم وصيصان القهاوي الذين لم يعودوا يكتفون بزعيقهم أمام رواد الأكل يهزّون بخصورهم وأردافهم على الحلبة تحت جعير يسمونه “غناء”، بل صارت صورهم وصورهنّ تملأ اللوحات الإعلانية الكبرى على الطرقات بوجوههم وسائر “ضواحي مستنداتِهنّ”)،
ووسط كل هذا الضباب الكثيف والدخان الأسود، يضيء نور في العالم يحمل اسم لبنان، بل اسم صبيّة لبنانية ذكية موهوبة من عندنا تعتزّ بوطنها وتباهي بلبنانيّتها، ونحن نعتزّ بها ونحبها: نادين لبكي، سيدة فيلم “سكّر بنات” الذي دخل المهرجانات السينمائية العالمية الى جانب كبار الأسماء المكرّسة وكبار الأفلام ذات الإنتاجات الضخمة.
قد لا يُحب البعض هذا الفيلم، وقد لا يجده البعض الآخر بهذه الأهمية التي عقدتها له المهرجانات العالمية. هذا لا يَهُمّ. بل لم يعُد مهماً. رُبّ فيلم ينال الأوسكار ولا يعجب جميع المشاهدين. ليس في الفن إجماع، وإلاّ يبطُل أن يكون من الفن. شرط الفن أن يترك سؤالاً يُوْدي الى نقاش، لا أن يكون جواباً بارداً ذا إجماع.
“سكّر بنات” تحكي عنه أرقامه: فور عرضه في صالات بيروت (لإصرار نادين لبكي على عرضه أولاً في لبنان قبل خروجه الى أي بلد آخر) سجّل 2873 مشاهداً في أسبوع واحد، وبقي الأول إقبالاً في صالات لبنان طوال شهري آب وأيلول، وبلغ مشاهدوه نحو 130 ألفاً. وحين انتهى عرضه في مهرجان “كان” السينمائي الدولي الشهير وقف الحاضرون يصفقون نحو 15 دقيقة (مؤشر النجاح التقني والفني في عروض “كان”). ثم كان هو فيلم الافتتاح في مهرجان باريس للسينما. وحين ذهب الى العرض العام في صالات باريس شاهده نصف مليون شخص، مسجلاً بذلك المرتبة الثانية في عدد الحضور، ومتجاوزاً عدد مشاهدي فيلم الفرنسي الكبير كلود شابرول “الفتاة المشطورة اثنتين” رغم شهرة شابرول واسمه المكرّس في صدارة السينمائيين العالميين. وفي مهرجان تورنتو السينمائي الدولي (كندا) أقيمت للفيلم سهرة تكريمية هي الأولى من نوعها لفيلم لبناني بل عربي في تاريخ هذا المهرجان الدولي الكبير. وفي مهرجان سان سيباستيان السينمائي الدولي (أسبانيا) قطف الفيلم ثلاث جوائز: الجمهور، الشباب، وجائزة المهرجان. وفي أبو ظبي (مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي) أعلنت مجلة “فارايتي” نادين لبكي “مخرجة العام لسنة 2007 في الشرق الأوسط” ونال الفيلم جائزة التمثيل النسوي (لمجموعة النساء الممثّلات فيه). ودخل الفيلم (رغم صعوبة ذلك) مهرجان لندن السينمائي الدولي، وفي الوقت نفسه نال في فرنسا الجائزة الكبرى في “مهرجان اللقاء السينمائي”. وفي مطلع هذا الشهر شارك “سكّر بنات” في مهرجان الدار البيضاء السينمائي الدولي، وهو اليوم مرشح في أستراليا لثلاث جوائز: أفضل فيلم، أفضل إخراج، وأفضل تمثيل نسوي. ويدخل هذا الشهر كذلك مهرجان سان لوي السينمائي الدولي في الأرجنتين. وختاماً (حتى كتابة هذا المقال) تم اختيار هذا الفيلم رسمياً ليمثل لبنان في مهرجان الأوسكار الأميركي، وتالياً بات المرشح الرسمي لجائزة أفضل خمسة أفلام أجنبية (غير أميركية).
اللائحة طويلة والنجاح عنوان هذا الفيلم. وهذه الصبيَّة من لبنان تكشح دخان لبنان عن اسم لبنان لترفعه في العالم.
شكراً نادين لبكي: نُحبُّكِ كثيراً.