السبت 22 أيلول 2007
– 515 –
فيما يغرق لبنان، وسْط هذه العتمة من الحزن والغضب والقلق، في نفقٍ طويلٍ طويل كأنه بلا نهاية، وفي قعرٍ عميقٍ عميق كأنه بلا قرار، يشرق علينا ضوء لبناني من النمسا، كما ليردّ العبوس عن العتمة، وكما ليقول إن النفق له نهاية، وإن القعر له قرار. وهذا الضوء: انتخاب الأكاديمي اللبناني الدكتور معين حمزة رئيس المؤتمر العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرّيّة”.
لم يكن انتخابه “وفاقياً” ولا “توفيقياً” ولا “اصطلاحياً”، بل “بالإجماع” إقراراً بقيمة معين حمزة العلمية، هو الأمين العام لـ”المجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية” منذ فترة غير قصيرة، وهو العضو الفاعل في اللجنة الوطنية اللبنانية للأونسكو، وهو العضو الناشط في أكثر من هيئة علمية محلية وعربية ودولية، وهو الأكاديمي الباحث الرصين الذي يكتب في جدّية، ويدير في جدّية، ويسلك طريق العلم والمعرفة في جدّية يرفدُها تواضع العلماء، وفي اعتزاز بلبنانية لا يشوبُها انتماء فئوي ولا اصطفاف سياسي ولا انقياد “إيديولوجي” ولا تبعية انفعالية أو شخصية أو شخصانية بل حَمْل مشعل لبنان العلم ونور العقل اللبناني المبدع.
وأن يبادر مندوبو 144 دولة (أعضاء “الوكالة” عند بداية الدورة العادية الحادية والخمسين في فيينّا) الى الإجماع على الدكتور معين حمزة لرئاسة المؤتمر، فبادرة تكريم لبنان عبر معين حمزة الذي، فور انتخابه، حمل في صوته وطنه لبنان وأعلن: “ساند بلدي لبنان برامج الوكالة، ملتزماً بالاتفاقات الدولية لتحقيق السلام والأمن النووي في الشرق الأوسط”.
هو هكذا لبنان: وطن السلام الذي يتآمر عليه صقور البوم والغربان ما سوى لأنه ضوء بَهِيّ وسط عتمة شرق عربي تتكثّف يوماً بعد يوم بأصوليات وأوتوقراطيات وتنظيمات وتشكيلات مشبوهة تتغلغل في شرايين لبنان لكي تُفسد دمه وتُتلف شرايينه وتُسمِّم قلبه وتَشلَّ جسده وخصوصاً خصوصاً: لكي تغيِّر صورته و… هويّته.
وهو هكذا لبنان، كما نشأ فيه معين حمزة ويحمله معه الى المحافل الدولية في العالم: لبنان الذي (بالإذن من جبران) أبناؤُه يولدون في أكواخ التواضع والبرَكة، ويبنون له في العالم صروح العلْم والإبداع والمعرفة والإشعاع.
وهو هكذا لبنان، كما نشاؤُه أن يكون: وطن المواهب لا بلد المذاهب، وطن المبدعين لا بلد السياسيين الشخصانيين الموتورين المتقاتلين على مقاعد ومناصب، وطن الجودة لا بلد الكثرة، وطن النوعية لا بلد الكمية، وطن الرهان لا بلد الارتهان، وطن المخْلصين من رجال الدولة في الداخل لخدمة الدولة من داخل لا بلد المستزلمين من رجال السياسة في الداخل لخدمة أسيادهم في الخارج، وطن علماء ومبدعين ومفكّرين وخلاّقين ينطلقون من لبنان الى منابر العالم لا بلد سياسيين مرتبطين بنقل الخارج ونزاعاته ليجعلوا لبنان ساحات يتقاتل فيها أزلامهم لحساب الخارج الجاعل نزاعاته لا على أرضه بل على أرض لبنان وعلى حساب شعب لبنان ودماء أبناء لبنان الأبرياء الذين يسقطون بانفجار هنا وقذيفة هناك واقتتال هنالك.
هو هذا لبنان الحقيقي، لبناننا نحن: لبنان معين حمزة وكل معين حمزة في كل حقل من حقول العلم والثقافة والمعرفة والإبداع، لبنان عباقرة لبنانيين يغسلون في العالم صورة لبنان الذي أغرقه بعض سياسييه في أبشع صورة يرانا إليها العالم.
حين وقف معين حمزة يشكر الدول الـ144 الأعضاء على ثقتها بلبنان، كان يقف بلسان كل لبناني خلاَّق مبدع يكفر بسياسيي لبنان اليوضاسيين، ويؤمن بأن لبنانَ اللبناني هو لبنانُ الرسالة الحضارية الى العالم، الوطن الذي يعتلي أبناؤه أعلى المنابر لينقلوا لبنان الفكر الخلاّق الذي لا يصنعه سياسيون بل أنقياء أمثال معين حمزة من رجال العلْم والثقافة والفكر والإبداع.