الجمعة 9 شباط 2007
– 485 –
وصلتْني رسالة إلكترونية من الشاعرة اللبنانية مي الريحاني (مستقرة في واشنطن منذ 30 عاماً) وفيها: “قرأتُ “أزرار”كَ في “النهار” وتلمّستُ غضبك وغضب أمثالك اللبنانيين الأصفياء. ولكنك لو تقرأ قلبي لتجده “مكسوراً” ولو ترى قامتي لتجدها مَحنيّة الظهر لِحُزني على ما يجري هذه الأيام في لبناننا الغالي الحبيب. صدمتي لا وصف لها، وذهولي أقوى من قدرتي على صدّه. أنا عاجزة عن التصديق أنّ كلّ هذا، بكل عنفه وقسوته، يمكن أن يحصل في بلادي اللؤلؤة”.
مناسبة الرسالة كانت جوابها عن تهنئتي إياها بكتابها الجديد “حفاظاً على الوعد” (صادر بالإنكليزية في واشنطن عن “أكاديميا التنمية التربوية”) وهو تقرير علمي موسّع عن تربية فتيات المرحلة المدرسية الثانوية (في أفريقيا والشرق الأوسط، المنطقة التي تدير مي دراساتها في الأكاديميا التي هي النائبة الأولى لرئيستها العالمية). لذا تضيف مي في رسالتها: “تعزيتي، تعويضاً عما يُدمي قلبي لِما يجري في لبناننا الغالي، كون مسيرتي المهنية التنموية تُبقي على أملي القويّ بأننا، نحن اللبنانيين المنتشرين في العالم، إذا واصلْنا نجاحنا في خدمة العالم والمساهمة في تطوُّر الحضارة العالمية، نساعد على إبقاء ثقة العالم بنا وبأن صورة لبنان اليوم ليست ما يجري في داخله بل هي الرسالة الحضارية التي يَخدم بها لبنان العالم عبر اللبنانيين في الخارج”.
كلمات مي الريحاني (الطالعة من نزف الألم والحزن والصدمة الفاجعة ولكن أيضاً من برعم الأمل بلبنان الرسالة الحضارية في العالم) هي الكلمات التي لا أنفكُّ أتلقَّى مثلها، ولو بحجم آخر أو وتر آخر، حول ما يجري عندنا هنا من مشهد أصبح على خارطة الفكر في نقطة تائهة بين السوريالية والعبثية والفوضوية، وبين مشاعر لدى اللبنانيين لم تعُد واجدة لها تعريفاً لردود الفعل بين الغضب أو القرف أو اللعنة أو الكفر بكل ما، وبكل مَن، وبكل ما سوف، وما قد يكون.
اللبنانيون في الداخل لم يعودوا يؤْمنون. واللبنانيون في الخارج مذهولون مصدومون ولا يصدّقون أن يجري على مسمع العالم كلُّ هذا عندنا في الساحات وعلى المنابر وأمام كاميرات التلفزيونات ووراء ميكروفونات الإذاعات، فيتذكّرون عبارةً شهيرة للرئيس الياس الهراوي انتفض ضدَّه الكثيرون يوم قالها: “أخاف أن يأخذ العالم عنا فكرة أننا لم نبلغ في حكمنا الذاتي سنّ الرشد بعد”. واللبنانيون اليوم في الخارج يراقبون كيف تتوالى في الداخل الرحلات المكوكية للمندوبين والموفدين، وكيف مباحثات الحلول ومفاوضات الإنقاذ ومؤتمرات المساعدات تجري في عواصم الدنيا جميعها إلا في عاصمة لبنان، فيتذكَّرون عبارة الرئيس الياس الهراوي ويترحَّمون عليه وعلى حدْسه السياسي.
وأكثر الحلول بداهةً في ذهن من يتولون عنا (في عواصم الدنيا) شؤون المباحثات والمفاوضات والمؤتمرات، اعتبارهم ألفباء كل حلّ: أن يلتقي اللبنانيون مع بعضهم البعض من دون تعليمات أسيادهم في الخارج، ومن دون شخصانياتهم الهتلرية الموتورة، ومن دون حساباتهم الشخصية لِمقعد يحلمون به في بعبدا أو في السراي أو في ساحة النجمة، بعدما انفضحت جميع النوايا وانكشفت جميع الحقائق وراء كلام توافقي وحدوي اتحادي معسول يتفوّهون به ويقصدون غيره، وانكشفوا بأن غرغرتهم الكلامية ليست سوى أقنعة لوجوه أسيادهم في الخارج وليست صوتهم هم لإنقاذ البلاد.
للسفير فؤاد الترك مبادئ كثيرة، منها: “رجل الدولة يعمل على إيصال بلاده ورجل السياسة يعمل على إيصال شخصه. رجل السياسة يعمل للانتخابات المقبلة ورجل الدولة يعمل للأجيال المقبلة. فما أكثر رجال السياسة عندنا وما أقلّ رجال الدولة”، ومنها “خلاصنا أن ننتقل من دولة المذاهب إلى دولة المواهب”. وهي مبادئ يشتهيها كلُّ مواطن في أيّ بلد من الدنيا لأنها تُنقذ وطنه من “لبنَنَة” أوقعنا فيها “بيت بو سياسة” فزادت قلوب اللبنانيين المكسورة في العالم، وشحنت بالغضب والكفر واللعنة العامة قلوب اللبنانيين المكسورة داخل لبنان.