السبت 27 كانون الثاني 2007
– 483 –
اليوم السبت: ذكرى 60 عاماً (27 كانون الثاني 1947- 27 كانون الثاني 2007) على غياب الياس “أبو” شبكة (والـ”أبو” بين مزدوجين لأنه كان يكره أن يرى اسمه منصوباً “أبا” أو مجروراً “أبي”. كان يريده “أبو” في جميع حالات الإعراب).
في ثلاثينه (كانون الثاني 1977) احتفلنا بذكراه وكانوا جميعاً هناك: غلواء، ليلى، صديقه الأقرب جورج غريّب، توفيق يوسف عواد، يوسف الخال، أنطون غطاس كرم، فوفّوه حقَّه بوفاء كبير وشاركوا، حضوراً أو منبرياً، في ذاك الاحتفال.
في ستينه (اليوم) غابوا إليه: غلواء التحقت به قبل سنوات حاملة معها صمتها العميق طوال بقائها نصف قرن بعد غيابه، ليلى (حبيبتُه عروس “نداء القلب” و”إلى الأبد” التي كتب لها أجمل شعره) غابت وغامت معها أجمل ذكريات كانت تنثرها علينا خلال أمسيات لديها في بيتها المطل من كتف الزوق على خليج جونيه، جورج غريب غادرنا قبل أشهر بعدما قال كل الكلام عن ذكرياته الأقرب إلى صديقه الغالي، توفيق يوسف عواد استشهد عام 1989 حاملاً معه ذكرياته التي طرّزها بقصيدته “ذات الوشاح الأسود” (عن ليلى التي لبسَت ثوب الحداد خمس سنوات متواصلة على شاعرها مفجوعة به)، يوسف الخال غاب قبل سنوات بعدما أعلن أن “أبو” شبكة “رائدنا في الشعر اللبناني”، أنطون غطاس كرم غاب أيضاً قبل سنوات حاملاً معه لَمْسته الذوّاقة على جماليَا “أبو” شبكة شعراً ونثراً… فماذا ومَن بقي له في ذكراه الستّين؟
زوق مكايل (التي قال عنها في “غلواء”: “وكانت زوق ميكائيل تصغي إلى همس النياسم في الحقول”) لم تعد “زوقه” هو (الهادئة التي كان يأبى أن ينام ليلة واحدة خارج بيته فيها، حتى أنه مرة عاد ماشياً من بيروت إليها كي لا ينام في بيروت). تغيّرت الزوق اليوم بعدما ضجت بالمدنيّة وجعلها نُهاد نوفل (رئيس بلديتها) عروس بلدات لبنان ذوقاً وجمالاً.
بيته (الذي كتب فيه كل شعره ولم تزُرْه أولغا-“غلواء” زوجته” إلاّ بعد غيابه بنصف قرن) لم يعُد تلك الحارة المهجورة التي تقاضمت حجارتَها وقرميدَها وشبابيكَها والأبوابَ عوادي نصف قرن بعد رحيله، بل أصبح لائقاً به وبذكراه وبتراثه بعدما نَجح نُهاد نوفل في شرائه وترميمه (بإعادته كما كان بغرفه والرسوم في سقفه وحتى باستعادة معظم أثاث الشاعر مجموعاً من مصادر عدة) وتَهيئته ليُصبح متحفاً نَموذجاً (على الطراز العالمي الحضاري) للمتحف الشخصي، وشملت البيت تحسينات زوق مكايل الحديثة العصرية فبات له عنوان جديد: “77 – الشارع العام – زوق مكايل”.
ولَم يقتصر جهد نهاد نوفل على ذلك. فهو كان منذ سنوات سَمّى المدرسة التكميلية في البلدة “مدرسة الياس أبو شبكة”، وكان وراء جميع احتفالات ذكرى الشاعر (معظمها في القصر البلدي)، ووراء إصدار طابع بريدي عن الشاعر، ووراء إنشاء لجنة متحف أبو شبكة من كبار ذوي الصلة، ووراء الاحتفال الكبير بِخمسينية غياب الشاعر (1997) وتثبيت تِمثاله (بإزميل بيار كرم) أمام البيت وتسوير البيت بباحة جميلة خضراء، وها هو اليوم يتهيَّأ لإنْجاز المتحف على أعلى مستوى محترف.
وتنقضي المهلة القانونية على حقوق كتبه، فتصبح حقاً عاماً وتنفلت الفوضى في طباعة مؤلفاته، معظمها من دون ضمير مهني، فيعلن ناشر عن “مؤلفات أبو شبكة الكاملة” فيما المضمون قصاصات صحف ومقالات قديمة ودراسات سابقة.
ذكراهُ الستون تَمُرُّ اليوم، ولبنان (لبنانه الذي طرَّزَ فيه أجمل شعره وقال فيه “لبنان أوّلُكَ الدُّنيا وآخرُكَ الدُّنيا، وبَعدكَ لا أفْقٌ ولا شُهُبُ”) غارقٌ في همومه ومشاكله ودخانه الأسود الذي يغطي بيروته وأهله ومصيره وذعر أبنائه المقيمين وقلق أبنائه المنتشرين في العالم، فيعود صوت الياس أبو شبكة بما كان عام 1945 قاله: “لبنان أغنى كنوز الأرض ما تهبُ”، فيَسمع الجميع اليوم قوله ويهزُّون برؤوسهم آسفين: “معك حق يا الياس أبو شبكة، نَحن نعرف أنَّ لبنان كنْزنا الأغلى والأغنى، ولكنَّ بين سياسييه اليوم يوضاسيين سيضيِّعون بشخصانيَّتهم هذا الكنْزَ الفريد”.