السبت 20 كانون الثاني 2007
– 482 –
لا يزال قرّاء وأصدقاء يكتبون لي أو يخاطبونني عن لاجدوى كل هذا الصراخ في “أزرار”، مردِّدين: “على من تقرأ مزاميرك؟ إنهم لا يقرأُون”! وفي ذهنهم أنني أكتب للسياسيين وأنهم لا يقرأون، وإذا قرأوا يقلبون شفاههم هزءاً ولا يهتمُّون.
فلْيعلمْ هؤلاء القراء والأصدقاء أنَّ من أكتب عنهم ولا يقرأون وإذا قرأُوا لا يكترثون ولا يهتمُّون بل يهزأُون، ليسوا هم هدفي ولا هم ضمائر المخاطب الذين أعرف جداً كم في ضمائرهم ضمير.
أكتب، حين أخاطبهم، لشعبنا الذي أريده يعي إلى أين يسير، فلا يسير عميانياً ببَّغاوياً أغنامياً إلى أيِّ قدر يريده له زعماء العشيرة والقبيلة والمزرعة، هؤلاء الذين (آباؤُهم منذ نصف قرنٍ ويزيد، ثم هُم منذ أعوام لا تزيد) يدّعون العمل على بناء دولة لم يبنوا منها حتى اليوم إلاّ حُصوناً لمزارعهم وقبائلهم وعشائرهم كي يظلَّ الناس عبيداً عندهم وأغناماً وأزلاماً ومحاسيب.
لشعبنا أكتب، كي يثور، كي يغضب، كي يرفض: من أقصى الموالاة (حين الموالاة قطعانية أغنامية) إلى أقصى المعارضة (حين المعارضة صور مرفوعة وأعلام وبيارق وهيصات ويافطات وشعارات وشعائر ومظاهرات واعتصامات في خيام أراكيل ولعب ورق وطاولة زهر وشوي كستناء وذرة وتخريب البنية التحتية لأجمل عاصمة في الدنيا).
لشعبنا أكتب كي يقول “لا” لِمن قالوا باسمه “نعم” حين لم يكن يجب أن يقولوا “نعم”، وقالوا عنه “لا” حين كان يجب أن يقولوا “نعم”، وقالوا له “نعم” حين كان يجب أن يقولوا “لا”.
لشعبنا أكتب كي يُشيح عن الاستزلام والتبعية والانجرار إلى مظاهرات غرائزية (من أية جهة أتت الدعوة) لتجييش مهيّصين مغسولي الدماغ عاطلين عن العمل والكرامة، أو الانجراف وراء التعصُّب لِمن في الحكم (لأنهم في الحكم) أو لِمن في المعارضة (لأنهم في المعارضة ونكايةً بِمن في الحكم)، وجميعها كيديات تُرضي غرائز زعماء بنوا زعاماتهم على الكيديات.
لشعبنا كي يرفض كلَّ شكل من أشكال الصنمية السائدة في هذا العالم الثالث المحكوم بأصنام في الصور وأصنام في التماثيل وأصنام في نفوس الأزلام وأصنام في الوراثة والتوريث أباً صنَماً عن جدٍّ صنَمٍ لحفيدٍ صنَم، أياً كان هذا الصنم ومهما كان وأنى كان، حتى ليَصْدُق في هذه المنطقة من العالم قول الكبير عمر أبو ريشة:
“أمّتي… كم صَنَمٍ مَجَّدْتِهِ لم يكن يَحمِل طُهرَ الصنَمِ”!
لشعبنا أكتب كي يتنبَّه إلى أنْ لم تنجح دولة في العالم بابتناء هيكلية الدولة ونظام الدولة وانتظام المؤسسات والقانون والمحاسبة في صفوف أركان الدولة، لو كان في شعبِها أزلام لأصنام، عوض أن يكون شعبها راغداً بقناعة وهناءة واطمئنان إلى النظام فيها (أياً يكن على رأس النظام كل ولاية رئاسية)، والى الانتظام فيها (أياً يكن أعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية فيها) والى صرامة النُّظُم والقوانين فيها (بصرف النظر عمن في الحكم أو في حواشي الحكم أو في بطانة الحكم). وهكذا يهنأُ شعبها إلى أمنها السياسي (يَحكمه النظام العام لا نظام الكوتا السياسية والمناطقية والدينية والمذهبية والعشائرية والمحسوبية)، والى أمانها الاجتماعي (يسري على كل الناس لا على المحظيين من الأزلام والمحاسيب وأولاد الست وأولاد الجارية)، والى تأمينها المستقبلي (يناله ذوو الكفاءة لا ذوو الحظوة، وأبناءُ المواهب لا أبناءُ المذاهب)، والى أمنيتها المستدامة أن تصمِّم اليوم لسنوات مقبلة خططاً خَمسية وعشرية وعشرينية وخمسينية، فتُهَيِّئ وطناً آمناً أميناً للأجيال الجديدة وحتى للأجيال التي لم تولَد بعد.
قرأ المسؤولون أم لم يقرأُوا، ليسوا هم هدفي، بل هدفي شعبنا الرازح تحت الخوف والقلق، ولن ينقذه من خوفه والقلق إلاّ يوم يقرر أن يقول “لا” للتبعية المحلية والإقليمية والدولية، وأن يقول “نعم” لدولة على طراز أية دولة حضارية في العالم شعبُها تطهرَّت صفوفُهُ حين طَرَدَ من صفوفه الأصنام والأزلام.