السبت 9 كانون الأول 2006
– 476 –
بقينا نردّد مقولة جورج نقاش “نقيضان لا يَبنيان وطناً” (للدلالة على تَمَسُّكنا بوحدتنا مصهورين بوطنية لبنانية واحدة موحّدة) إلى أن جاء جبران تويني في14 آذار يطلق قسَمه الشهير: “نقسم بالله العظيم أن نبقى موحّدين مسلمين ومسيحيين…”، ويا خجلنا من ذكراه الأولى (غداً الأحَد) إن لم نكن موحّدين في قَسَم لبناني ناصع الوطنية لا إلاّه يوحّد كلّ لبنان مع كلّ لبنان.
فهل نحن، ميدانياً وممارسةً سياسية ومضمونية وإيمانية، نثبت أننا نعمل أو نريد هذه الوطنية الموحّدة الواحدة الوحيدة؟
يبحثون جميعهم عن الخروج من المأزق؟ عن بلوغ نهاية النفَق؟ عن سبيل للعودة إلى الحوار والتشاور؟ يعطيهم العافية على ما أنجزوه وما فشلوا في إنجازه، متحاورين حول الطاولة، ثم متخاصمين متشاتمين متمترسين في الساحات العامة المتقابلة.
يبحثون؟ حقاً يبحثون؟ يعني: هل هم مستعدُّون للتخلي عن انتماءاتهم هنا وهناك وهنالك، وعن تحالفاتهم الداخلية والجيرانية والإقليمية والدولية، وعن أمراضهم الشخصية والشخصانية والهولاكية والنيرونية، للوصول حقاً إلى حلّ؟
المواطن اللبناني العادي، البسيط العادي، ينضح بالحل تلقائياً عفوياً ويمارسه يومياً مع إخوته في المواطنية على أرض لبنان، مشيحاً عن دين إخوته ومناطقهم وانتماءاتهم وولاءاتهم السياسية، ويُزاول معهم حياةً لبنانية اجتماعية واقتصادية وبيئية وثقافية ورياضية، من أول شبر في لبنان إلى آخر شبر من لبنان، وليس في حاجة إلى أحد من السياسيين كي يعطيه دروساً في الوطنية والتعامل والتعاطي مع إخوته اللبنانيين في وطنهم الجامع الواحد الموحّد بجذور أبنائه الإخوة ذوي العائلة الواحدة.
المواطن اللبناني العادي، البسيط العادي، يعرف أن مرجعه وخلاصه ومستقبل أولاده (قبل أن يهاجر منهم مَن لم يهاجر بعد) هو في عيش الحياة الواحدة (لا في التعايش ولا في العيش المشترك) مع إخوته اللبنانيين، مدركاً تماماً أن السياسيين يَحُولون دون اعتناقه جامعاً واحداً وحيداً: توحيد النظرة إلى لبنان، نظرة القومية الموحِّدة (بكسر الحاء جداً) والهوية الموحَّدة (بفتح الحاء جداً) والولاء الواحد إلى وطن واحد نتوحّد فيه، والانتماء الأوحد إلى وطن أوحد نوحّده فينا، ونعلنه لا “الوطن النهائي” (عبارة دستورية أصبحت معلوكة سياسياً حتى فرغت من مضمونها الإيماني)، ولا “لبنان أوّلاً” (عبارة رئيسية لكنها أصبحت مستهلَكَة ببغاوياً في الأفواه وكفرانياً في الممارسة السياسية)، بل إلى لبنان اللبناني قبل كلّ شيء آخَر، وقبل كل أحد آخَر، وقبل كل وطن آخَر، وقبل كل انتماء آخَر، وقبل كل قومية أخرى، وقبل كلّ شعارات وشعائر واستشعارات أخرى.
الشعب اللبناني، بدون سياسييه، يتعامل مع بعضه البعض في حياة عادية، ويشعر – بل يصرّ على أن يشعر – بأنه شعب واحد متماسك في تَمَسُّكه بأرضه، موحّد في التشبّث بتراثه أمس وبمستقبله غداً وكل يوم، لكنه يشعر بأنه وحيد في صراعه مع قوى الشر التي تعصف به من خارج غربي وشرقي، ومن داخل منقسم الولاء والمصلحة بين غربي وشرقي.
هذا هو الشعب اللبناني بأصالته وعراقته وإيمانه بأن جميع بلدان الأرض لن تقدّم له شبراً واحداً أغلى من أية حبة تراب في أرض لبنان حين لبنان متهانئ، متصالح، متفاهم على قوميّته هو، وكيانه هو، وكينونته هو التي لا تُعار ولا تنتمي إلى خارجها.
أما المظاهر التي نشهدها في هذه الساحة أو تلك، في هذا الحدث أو ذاك (ولو اكتظّت الساحات بالآلاف من هنا إلى كل هناك) فهي طارئة ظرفية، وليست صورة حقيقيةً عن شعب لبنان الذي طفح الكيل به وفيه ومعه، ولا يرضى بأن يقال إنه شعب أزلام وأغنام لأصنام وأعلام، وهو كَفَرَ بسياسيين يقودون جزءاً من شعبنا إلى ساحة هنا ومهرجان هناك، لكنهم يقودون كلّ شعبنا إلى كارثة غرق السفينة بالجميع إلى قاع بدون قرار.