435: إلى حفيدي ليلة الميلاد

السبت 24 كانون الأول 2005
أورلندو/ فلوريدا -435-
يا صغيري،
يسألني أبوك عشيةَ الميلاد (وأنا جئتُ الى هنا خصيصاً كي أُمضيها معه ومعك) متى سيحملك الى وطنه الأول، تُمضي فيه وإياه فترة الميلاد معي، ولا يكون لبنان في مهب المفاجآت الفاجعة التي يخشى منها عليك؟
يسألني أبوك (ولدي الوحيد الذي غادر لبنان قبل ثمانية عشر عاماً ولم يعُد إليه بعد) متى يعود لبنانُ الجميلُ الهانئُ الآمنُ الذي لم يعرفه هكذا لأنه عاش فيه سنوات طفولته وصباه ومطلع شبابه (1975-1987) وكانت تلك السنوات أسوأ ما عرف لبنان من فواجعَ ومآسٍ وقصفٍ (طال بيتنا وجواره مراتٍ عديدةً) وليالٍ مرعبة وقنابلَ وقذائفَ وأَيامِ تعطيل قسرية وخوفٍ متواصلٍ ورعبٍ دائم، حتى إذا غادره (1987) حمل معه أسوأ الذكريات عن وطن ترك فيه أباه وجاء الى هنا، الى الولايات المتحدة، يكمل دروسه الثانوية فالعالية فالجامعية ويشُقُّ فيها مستقبلاً بناه اليوم على حجم تطلعاته وأحلامه البعيدة عن الخطر؟
يسألني أبوك (وهو الذي يحمل اسمي ولا يحملُ ما يحمله اسمي من معانٍ للبنان وتعلّق بلبنان) متى يكون له أن يروي لك عن لبنان الذي لم يعرف من وجهه المشرق وتاريخه العظيم وإرثه الحضاري وتراثه الغني إلاَّ ما سمعه مني وقرأه عني ورآه في حنيني الدائم إليه (رغم سنوات الجمر فيه) طوال إقامتي هنا ستَّ سنواتِ ما سَمَّيتُه في مقالاتي الى “النهار” من هنا “المنأى المؤقت” في زاويتي “رسائل المنأى” كنتُ أكتبها لـ”النهار” على “بحيرة الليمون – فلوريدا” وأضمّنها غصصي وشوقي وحنيني للعودة، وكان أبوك يقرأُها ولا يفهم في مقالات أبيه لـ”النهار” كلَّ هذا التعلُّق بلبنان رغم ما كان يومها في لبنان؟
يسألني أبوك (وهو المجنون بك اليوم والخائف عليك، كما كنتُ أنا مجنوناً به وخائفاً عليه حين كان في سنّك وأهيِّئ له الأحلام الكبيرة يحقِّقها في لبنان!؟) متى سيكون له أن يخبرك عن لبنان بدون أن يكون قلقاً على لبنان الذي يسمع عنه ما جرى فيه من فواجع جهنمية متلاحقة في هذه السنة الشؤومة؟
يسألني أبوك (والمؤشرات لا تبدو مريحة في لبنان ودول المنطقة لهذه الفترة المقبلة من 2006) متى يكون له، حين تكبر بعد سنوات وتصبح قادراً على الاستيعاب، أن يروي لك عن لبنان كما عرفه مني، وكما يحب أن تعرفه أنت، من دون أن يكون هو موغلاً في إعطائكَ صورة عنه مشرقة اكتسبها من جدّك أبيه، وتكتشف أنت عنه صورة عكسية من مصادر أخرى؟
يسألني أبوك (وهو الحريص على لبنانيته الحضارية غير المتَّسخة بمجريات الأمور السياسية والأمنية الراهنة) ماذا يجدر به أن يبدأ، منذ طفولتك الحادية صوب الصبا فالشباب، تلقينك عن وطنه الأول لبنان الذي يحلم لك أن يحملك إليه ويعرفّك عليه كما يرغب أن تعرفه من دون أن يكون فيه خطر عليك؟
يا حبيبي، من الآن حتى تصبح في سنِّ أن تسمع وتستوعب ما ينقله لك أبوك عن لبنان الذي عرفه من أبيه، جدّك الذي يحمل لبنان في قلبه وقلمه رسالةً ونذراً وقدَراً، سأحملكَ الليلة على ذراعيَّ وأصلي بِكَ، عشية الميلاد قرب هذه المغارة، أن تكبر بعد سنوات، ويكون لبنان نجا من بيلاطُسيين يتربَّصون بطفل المغارة، ومن يوضاسيين يتربصون بهذا الطفل الذي سيكبر ويسلّمه الى الموت أحدُ أقرب المقربين إليه ذات مساء مجرم في بستان زيتون.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*