السبت 28 أيار 2005
-409-
أَسوأُ ما في الانتخابات (عادةً وتحديداً هذه البادئة غداً والممتدّة لأربعة أسابيع مقبلة) أنها تتحدَّث من جهة في الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي و”منح” الناخب حرية الاختيار، ومن جهة أخرى تنهال على الناخب بشعارات وعبارات تدعوه الى عدم التشطيب و”وضع” الليستة كما هي، والثقة بالقادة والسياسيين والمرشحين وبرامجهم “الإصلاحية” لأن على يدهم “خلاص الوطن”.
ومع فهمنا التام حاجةَ المرشحين الى الكلام المعسول والشعارات المغرية، لا نفهم أن “يفرضوا” على “الناخبين الكرام” وضع الليستة كما هي، كأنّ الشعب قطيع مسيَّر “يَتَمَحْدَل” كما هم يريدُون، أو حبة في مسبحة هذا الزعيم أو ذاك الإقطاعي أو ذلك القائد.
مش صحيح. أول حق لشعبنا في هذه الأيام: حق التشطيب. حقه في القرار لا في الانصياع، في الانتخاب (يعني اختيار مَن يريدهم هو) لا الاقتراع (كما يراد له أن يقترع). فالمرشح الذي يريده اللبنانيون، يختارونه فينتخبونه أكان في لائحة أو منفرداً، في هذا التيار أو ذاك، في هذا الموقع أو ذاك، وليسوا ملزَمين بـ”كل” اللائحة التي فيها مرشح هم يختارون أن يختاروه.
بعد 14 آذار صار شعبنا حُراً على أرضه وفي قراره، يعني في اختياره. فليبقَ حرَّ القرار والاختيار يوم الانتخاب، ولتكن له كاملُ الْحرية والْمحاسبة لا في اقتراع معلّب مفروض عليه، بل في الانتخاب، يعني في اختيار من يقررهم كما هو يقرر: لوائح كاملة، أو أسماءَ منفردة، أو لائحةً هو يركِّب أسماءها من لوائح مختلفة، أو حتى تشطيباً إذا ارتأى. المهم أن يشعر الناخب، خلف العازل وفوق صندوقة الانتخاب، أنه هو حرُّ القرار والاختيار، لا يقترع بل ينتخب.
فيا شعبنا الطيِّب، كفاك انصياعاً واستزلاماً أن السياسيين كانوا صوتَك وأنتَ الصدى حتى اليوم. بعد اليوم كُن أنتَ الصوت، وليكونوا هُم الصدى. الْمجلس النيابي الذي ستُفرزه انتخابات 2005 سيأتي بقديم مألوف معروف، وببعض جديد يُضمر أن يكون تغييرياً. وما نتوسّمه من شبابنا الجدُد في المجلس المقبل، أن ينقلوا الممارسةَ البرلَمانية التشريعية من الزبائنية الى المواطنية، من العشائرية الى المؤسساتية، من تفصيلات على قياس السياسيين وَوَرَثَتهم (من غير شَر) الى تشريعاتٍ تطلُّعيَّة على قياس أجيال لبنانية لم تولَد بعد.
الورقة اليوم ليست في يد مقترِع “روبوت” بل في يد منتخِب واعٍ حُر. واللبنانيون لن يلعبوا بعد اليوم لعبة القرعة بل لعبة الصنعة. إذا القرعة مقامَرة بالكل: ينجح الكل أو يسقط الكل، فالصنعة هي خَيارُ الاختيار: اختيارُ أسماء بين الْمطروحين فرادى ولوائح، يَختار منهم الشعبُ اللبناني من هو يراه جديراً لا من زيَّنوه له قديراً.
الاقتراع صناعة، الانتخاب قناعة. وبين الأحد، غداً، والأحد الأخير بعد أربعة أسابيع، نأمل من شعبنا أن يكون هو البطل الفاعل لا المتفرّج المفعول به، أن يكون هو المرجِّح المُضيف لا الُمرشِّح المضاف إليه، أن يكون هو الطالب منه الخصم لا المطلوب منه البصم، أن يكون صوته هو الصوت المُحاسب والمُراقب لا صدى أصوات سياسيين فارضين عليه لوائح معلَّبَة مركَّبة جاهزة.
غداً أولُ دورة، وبعد أربعة آحادٍ آخِر دورة. فيا شعبَنا الطيّب كُن أنتَ الدورةَ كلَّها. لا تكن القطيعَ الُمسيَّر بل كُن أنتَ القاطعَ المُخيَّر. لا تكن المفعول به بل كُن أنتَ الفاعل. لا تكن صدى فعل الماضي بل كُن أنتَ صوت فعل الأمر. أنتَ الأصلُ والفصل. أنتَ الْحسَابُ والعقاب. أنت الحسيب والرقيب. أنتَ السائلُ والمسؤول. أنتَ سيّدُ المواطنيّة لا عبدُ الزبائنية.
يا شعبَنا: كُن أنتَ الرقمَ الصعب ولا تكُن رقماً إضافياً. كن أنتَ مِحْور البلَد ولا تكن حبَّة خفيفةً في مسبحة أحد.