السبت 15 كانون الثاني 2005
-390-
إذا كان يؤخَذ على ميشال الأشقر في عمله المونودرامي “ابن الحياة” (قصر الأونسكو – ليلة واحدة، الثلثاء الماضي، بتنظيم ودعوة من جامعة AUST) أنه لم يقدّم جديداً عن جبران، فهذا العمل ليس للجبرانيين ولا لدارسي جبران وعارفيه وباحثين باتوا يعرفون حياته يوماً فيوماً، لكثرة ما راجت سيرته في صيغ ولغات متعددة. من هنا أن عمل ميشال الأشقر هو لجمهور الذين “يقدِّم إليهم جبران” تعريفاً بيوغرافياً فيقرّبهم منه كي يعرفوه أكثر حين يقرأُونه.
وإذا كان يؤخَذ عليه أنه، في عمله المونودرامي هذا (القائم على الممثل الوحيد)، لم يكن ذاك الممثل غير العادي ولا المخرج الاستثنائي، فعُذْر ميشال الأشقر أنه لم يطلب ذلك ولا سعى إليه، بقدْرما سعى الى أداءٍ ينقل الى الجمهور صورة جبران الإنسان في محطات ومفاصل مهمة (ربما ليست كلّها الرئيسة ولكنها ليست ثانوية على كل حال) من حياة هذا الذي يشغل العالم حتى اليوم بكتُبه التي يعاد طبعها وسْع بلدان الدنيا ويقرأها الملايين في معظم لغات العالَم. وليس مُمكناً، في بناء درامي متعدد الممثلين، نقل هذا العمل (كما يفعل ميشال الأشقر) بالسهولة نفسها التي ينقله بها من بلدة أو مدينة أو عاصمة الى أُخرى، بديكوره البسيط وأكسسواره الضئيل، فيتمكن من تأدية رسالة المسرحية كما هي.
وأداء ميشال الأشقر لم يكن سهلاً على أي حال، بقدْرما ليس سهلاً على أيّ ممثل أداءُ نَص من 100 دقيقة، بدون تلعثم ولا سهو، مع كل ما يرافق هذا الأداء من تحرّك تشكيلي على المسرح، واستخدام الديكور والأكسسوار.
المهم أن نتعامل مع هذا العمل كما شاءه صاحبه لا كما نريد منه نحن أن يقدمه كي نزيد معرفتنا بجبران إذا كنا ضالعين جبرانياً. وما رغب إليه ميشال الأشقر: أن يوصل جبران (كما فعل حتى الآن في مدن وبلدات ودساكر كثيرة من الولايات المتحدة، وفي لندن، وفي جرَش، ومؤخراً في بيروت) الى جمهورٍ لا يعرف تفاصيل كثيرةً عن حياة جبران، فينقلها إليه الأشقر، نابضةً حيّة في 100 دقيقة، ويَحــمل جـبـران إلى هـــذا الجمهور متحرّكاً بـيـن أحــداث حياته منذ ولادته في بشري (1883) وسفره مع والدته الى بوسطن (1895) ومطالعه فيها، وسفره الى باريس (1909 – 1910) وانتقاله (1911) الى محطة استقراره الأخيرة: نيويورك، حتى غيابه في 10 نيسان 1931. وكل ذلك من دون تعقيداتٍ إخراجية مسرحية، بل في عرض سائغٍ سهل المنال والتلقّي، يُجسد خلاله ميشال الأشقر شخصية جبران في مراحله الحياتية والنفسية والعاطفية والمهنية، ويرتجل له (افتراضياً) شخصيات عمره الرئيسة: والده خليل، شقيقته مريانا، أخاه بطرس، والدته كاملة، الشاعرة جوزفين بيبادي، راعيه الأول فْرِد هولندداي، راعيته الأهم ماري هاسكل، لكنه أغفل (ربما لأسباب تقنية أو غيرها) شخصية باربرة يونغ.
أيُمكن القول إن عمل ميشال الأشقر تربوي تعليمي أكثر مما هو فني مسرحي؟ ربما. ولكن ما قيمة المسرح إن لم يكن هو الآخر تربوياً تعليمياً تثقيفياً بشكلٍ أو بآخَر فيقّدم جديداً الى متلقّيه. في هذا السياق، تحيّة الى مواطننا الزحلي ميشال الأشقر على رسالته الجبرانية في مسرحيته، والى (AUST) الجامعة الداعية التي كرّست لجبران عامها الأكاديمي الحالي بنشاطات لاحقة تليق بذاك الرائع الذي صرخ ذات يوم: “لو لم يكن لبنان وطني، لما اخترتُ وطناً لي غير لبنان”.