356: عالميٌّ جديدٌ من لبنان: أسَد فولادكار

السبت 15 أيار 2004
– 356 –
… يوم أَطلقَ، قبل أَشهُر، فيلمه الطويل “لَمّا حِكْيِتْ مريَم”، استبشرْنا فيه حضوراً سينمائياً جديداً للبنان الطالع من زمن القحط السينمائي. ويوم راح فيلمُهُ الممتاز يَحصد الجائزة تلو الأُخرى، قلنا إن هذا اللبناني الشاب الواثق من خطه الفني لا بُدّ أن يبلغ بعيداً في رؤيته ورؤياه. وأن يكون فيلمه نال حتى اليوم 43 جائزة وشارك في 21 مهرجاناً سينمائياً عربياً وعالمياً، فنصرٌ آخرُ للبنان الشباب يحقّقونه من إيمانهم بأنهم حقاً هم الطينةُ الجديدة المهَيِّئَةُ مستقبَلَنا الْمُشرق.
واليوم؟ ما الجديد؟ الجديد أن الكثيرين يعرفون عن مهرجان “كانَ” السينمائي الذي تصل الأفلام إليه جاهزة للعروض والتحكيم، لكن أقلّ منهم يعرفون عن مهرجان “صَنْدانْس” (رقصة الشمس) المعتبَر أهمَّ مِن “كانّ” لأنه يكتشف مواهب جديدة (في الكتابة والحوار والسيناريو والإخراج) منه تنطلق، في حال قبولها، الى التنفيذ الهوليوودي الذي يُطلقهم منها الى العالمية. وكثيرون من كبار السينما اليوم انطلقوا من “صَنْدانْس” الى هوليوود ومنها الى العالمية. وهذا المهرجان (أسَّسه الممثل الكبير روبرت ردفورد) يجمع في مدينة سالت ليك سيتي (ولاية يوتا) عشرات الكبار من مخرجين وكتّاب سيناريو، يلتقون شباناً من كل العالم، شَرطُ قبولِهم ألاّ يكونوا حقّقوا إلا فيلماً طويلاً واحداً، وأن يترشَّحوا بسيناريو واحد ينوون إخراجه، وشرطُ السيناريو أن يطابقَ هدفَ اللجنة الرئيسي: إمكان أن يؤثّر السيناريو الفائز، وتالياً الفيلم الذي سيتحقق منه، في تجديد دم هوليوود السينمائي ورفده بمواهب جديدة، وتالياً في تطوير وتحديث السينما الأميركية. من هنا أن حلم كل سينمائي أميركي هو الوصول الى هوليوود، وحلم كل سينمائي شاب في العالم أن يتوصل الى اللقاء بعمالقة السينما في مهرجان “صَنْدانْس”، فتكون خلوة الأسبوع في سالت ليك سيتي عتبة دخوله الى مجد السينما العالمي.
هذا العام اختارت اللجنة 18 سيناريو: 14 من الولايات المتحدة وأربعة من سائر العالم، ففاز بالاختيار الأخير أربعةُ شباب من جنوبي أفريقيا، وألمانيا، وهولندا، و… لبنان.
ويكون أنّ الفائز من لبنان هو الشاب اللبناني الموهوب أسد فولادكار نفسه، صاحب “لَمّا حِكْيِتْ مريم”. ويكون أنّ نصَّهُ الذي أعجب اللجنة هو سيناريو فيلم “شجرة الأرز”. ويكون أن الذي أَثَّر هناك في قارئي هذا السيناريو اللبناني كونه يتحدّث عن هذه الشجرة العملاقة التي هي رمز لبنان والتي تمثّل، أكثر ما تمثّل، رسوخَ جذورِها في تراب لبنان وانتماءَها الى أَرض لبنان، حتى إذا انتقلت، صغيرة، نبتةً من لبنان الى أرض أخرى، انغرزَت في تربة الهجرة وظلَّت جذورها في الأرض الجديدة، لكنّ انتماءَها يبقى الى لبنان، ولو كانت عروقها ملْك الأرض التي انزرعت فيها.
وقصة الفيلم ليست بعيدة عن معاناة شخصية عاينها أسد فولادكار خلال هجرته الى أوستراليا (هو من مواليد بيروت 1961) ولمسه حنين اللبناني هناك الى لبنان، وهو حنين الفروع والأغصان ترتفع الى الهواء ناهدةً الى العودة، لكنَّ جذورها مغروزة في أَرض أخرى. وهي هذه حكاية الهجرة اللبنانية منذ أنطونيوس البشعلاني حتى اليوم.
أسد فولادكار لم يفُز فقط بالذهاب الى هذا المهرجان العالمي الكبير (في آخر حزيران المقبل)، ولا بقصّةٍ أعجبت اللجنة التحكيمية يمكن أن تحدث في أيّ مكانٍ من العالم، بل ميزَتُهُ أنّه فاز بقصّةٍ في لبنان وعن لبنان ومن لبنان.
سينمائيونا الشباب صانعو نهضتنا السينمائية الجديدة، معظمهم يستوحون سيناريواتهم من نسيج لبنان.
الموهوبون بـ”النقّ” أنْ ليس عندنا سينما في لبنان، فليخرسوا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*