السبت 1 أيار 2004
– 354 –
غداً يذهب المواطنون الى “الجولة” الأُولى من الانتخابات البلدية. وعدا قلّة قليلة جداً من المرشحين الجديرين بتمثيل بلداتهم لما زرعوه فيها من إنماء ونهضة، سينـتخب المواطنون مرشحين “محسوبين” و”مدعومين”، يعني أن واحدهم ليس “أحداً” في ذاته ولا “شيئاً” في شخصه، بل هو تابع لـ”أحَدٍ” من السياسيين، أو مرتهن لـ”شيء” سياسيٍّ ما.
ذلك أن السياسيين عندنا ناشطون هذه الأيام في التنافس للتصريح عن تشديدهم على “ديمقراطية” الانتخابات، و”حق المواطن في التعبير عن رأْيه”، و”حرية الانتخاب”، و”إبعاد السياسة” عن الانتخابات البلدية، و”حياد السلطة”، و”عدم الضغط” في صندوق الاقتراع، واللوائح التي “تمثّل الشعب”، والمرشحين “الحياديين” الذين انتدبتهم العائلات والفئات الشعبية، … الى آخر ليستة التعابير الجوفاء الكذَّابة، فيما على أرض الواقع: أكثرية المرشحين مستزلمون أو مستسلمون، ووراء كل مرشَّحٍ يقف رجل سياسة، ووراء كل لائحة تنـتصب جهة سياسية، ووراء كل تشكيلة أو تركيـبة يتَّضح دعم وزير في الدولة أو نائب في المنطقة أو مفتاح سياسي في الناحية، وإذا كل لائحة يدعمها أو يسعى الى تشكيلها سياسي أو هي مدعومة من نافذ سياسي، وكل مرشح هو “زلمة الشخص”، أو “يخص” أحداً أكبر، ووراء هذا الـ”أحد الأكبر” أحد أكبر منه، ووراء هذا الـ”أكبر منه” شبح مجهول كأنه “راجح” يسمع به الجميع ولا يراه أحد.
وإذا كنا نفهم أن يحصل هذا الأمر في الانتخابات النيابية التي بتنا نعرف تحالفاتها ومحادلها وتركيـباتها التي يأتي بعضها من حواضر البيت وبعضها الآخر يتبرع به الخارج في تشكيلات مركَّبة من موزاييك سياسي لا علاقة به للشعب الذي هو وقود رخيص لتلك التركيـبات ذات الدوائر الكبرى أو الصغرى أو المتوسطة، فإننا نستغرب تماماً أن يحصل هذا الأمر في الانتخابات البلدية التي دوائرها صغرى ومعروفة، والمفروض بالناس أن ينتخبوا مرشحين منهم وبينهم بكل حرية وبدون ضغوط وبدون محسوبيات وانتماءات، وأن يقترع المواطن للمرشح نفسه لا لمن ينتمي إليه هذا المرشَّح.
المواطن اللبناني الذي، في مجالسه الخاصة وفي وسائل الإعلام، يتذمّر دائماً من الطقم السياسي: اليومَ اليومَ وقتُهُ كي يقول “لا” للمفروضين عليه من السياسيين، وتالياً كي يشيح عن مرشحين للبلدية يفرضهم عليه السياسيون الذين يرفضهم. واليومَ اليومَ وقته كي يعطي صوته للذين أثبتوا جدارتهم في إنماء بلدتهم وتطويرها وخدمتها بعيداً عن التجاذبات والتحالفات والنكايات السياسية.
وما لم ينله المواطن اللبناني، حتى اليوم، بالتظاهرات والمظاهرات والاستنكارات والاحتجاجات ضد سياسيين يتحكّمون بمصيره ولم تكن له يد في إيصالهم، هوذا يومه ليـبدأ بدحرجة مرشحيهم عن كراسي البلدية تمهيداً لدحرجتهم هم عن مقاعد النيابة.
أما، بعد كل هذا، إذا ذهب المواطن الى صندوق الاقتراع وأعطى صوته لمرشحي البلديات من أزلام السياسيين، فمبروك عليه مجلس بلدي مستزلم أو مستسلم أو تابع أو خاضع أو مدعوم أو موحى به أو مفبرَك من مفاتيح سياسية عشائرية وزبائنية وإقطاعية ومحسوبية وفئوية وطائفية وإيديولوجية وحزبية وعقائدية، وممنوع عليه بعد اليوم أن يتذمَّر من طقم السياسيين، وعندئذٍ: مبروك عليه أن يظل رأساً في قطيع، أياً يكن الكرّاز الذي يقود هذا القطيع.