الاثنين 26 نيسان 2004
– 353 –
مرةً ثانيةً في شهرٍ واحد (بعد طلال حيدر قبل أسبوعين) تذهبُ جائزة سعيد عقل الى شاعرٍ من عندِنا كبير: عصام العبدالله، على “مجموعة قصائده الملكات”.
جوهرُ العرس ما قاله سعيد عقل في حبيـبنا عصام: “موهبتُك الشعرية هي بنْتُ ما وهبَ اللـهُ لبنان. فأنت شاعرٌ من لبنانَ كبيرٌ، وإذا لَمستَ في قولي بعض مبالغة، يُعوّضها أنك تعرف أنْ تُحِب”.
وفرحُ العرس ما قاله عصام بنُبْل الوفاء: “أتمنى أن أكون على مستوى قامة كلام سعيد عقل بي. فيوم يصطفُّ الشُّعراء أمام التاريخ كي يُحاسبهم ويصنّفهم، لن يُطالعَ الواحدَ منهم إلاّ بسؤالٍ واحد: هل انتبه إليك سعيد عقل؟”. وروى عصام كيف كان في الثامنة عشْرة يومَ رأى سعيد عقل للمرة الأُولى في احتفال ميشال أسمر لتكريم شولوخوف (حامل “نوبل” الآداب). كان واقفاً الى حائط القاعة لضيق المكان وأصغى الى قصيدة سعيد عقل في صاحب “نهر الدون الهادئ”. يومها شعر أنه أُصيب بـ”نوبة الشِّعر الصاعق”، وبدأتْ لديه من يومها أعراضُ الشِّعر. وقال عصام إنّ سعيد عقل، بالنسبة إليه، “فاتحٌ ومعلّمٌ ومُلَوِّن معاً: شِعرُهُ بالفصحى كاتدرائياتٌ وقلاعٌ وقصور، وشعره بالعامية بيوتٌ جميلةٌ وفيلاَّتٌ مُشمِسةٌ ومُطَرَّزَةٌ بزنّارٍ من الزجاج الْمُلَوَّن”. وختَمَ عصام: “أنا فَخورٌ أن يكونَ سعيد عقل انتبَهَ إلَيّ”.
هذا المقال ليس فرحاً بعصام العبدالله وحسب، بل فرحٌ بالشِعر في لبنان. وهو ليس لفتةَ شكر الى سعيد عقل بل لفتةُ فرح الى أن الشعر في لبنان ما زال في عرس، طالما في لبنان شاعر كبير يعانق رفاقه الشعراء.
طبعاً عصام العبدالله يستحقُّ بجدارةٍ عاليةٍ “انتباهَ” سعيد عقل. فهو بين كبارنا في الشعر، تجديداً ونحتاً وصقلاً للعبارة الشعرية واللحظة الشعرية وقاموسٍ شعري طالع من الآتي لا من فلول الاتّباع. غير أنّ سعيد عقل، بانتباهه الى عصام العبدالله، يؤكّد أنّ الشعر العالي في لبنان يفرض حضوره بجدارة، فيأتي رائد كسعيد عقل ويكرّس له هذا الحضور.
غير أنّ فرَحنا بعصام العبدالله هو استكمالٌ لفَرَحنا بعرس الشعر في لبنان يتصدَّرُه سعيد عقل، الفريدُ بين شعراء العالم في منْح جائزةٍ الى رفاقه الشعراء، لا لقيمتها المادية (فسعيد عقل نفسُه ما زال يكرر بأنه “خَجِلٌ” من مبلغ الجائزة المادي: مليون ليرة لبنانية) بل لزرْع الفرح في واحة لبنان الشعرية التي تُزهر وتَزدهِر عافيةً وجمالاً طالما ثمة من “ينتبه” إليها.
والذين يقصدون نقابة الصحافة كل أربعاء، لا يأتون كرمى لنائل الجائزة وحسب، بل ليسمعوا من سعيد عقل عن لبنان والشِعر والجمال والكَرَم كلاماً يكفي، إذا حفظوا معظمه وأشاعوه حولهم، أن يكون تعاليم لبنان الجديد.
و… “يَتَّهمُنا” سعيد عقل بأننا “نعرف أن نُحِب”؟ يا ليته يعرف أن هذه الْـ”نَعرف أن نُحِب”، إنّما هي منه، هو الذي تعلّمنا عليه، ليس فقط معرفة لبنان العطاءات والبدْع والعظماء ومُدُن الحضارة في لبنان والمباهاة به وطناً غير عادي في الأوطان، وليس فقط أُصول كتابة الشعر منحوتاً بإزميل الجمال والقيَم، بل كذلك تعلّمنا عليه أن نُحِب وكيف نُحِب، وكيف نُشيح عن كل ما دون الحب والفضائل والقيَم، كي نبني الإنسان اللبناني فينا جديراً باستحقاق لبنان.
ومثلما قبل أُسبوعين عانقْنا طلال حيدر فَرَحاً في عُرس الشِعر، عانقْنا كذلك حبيـبَنا الآخَر عصام العبدالله شاعراً من عندنا كبيراً. وما أَعظمَ أن يتفرَّد لبنانُ في العالم بأعراس الشعر وتَعَانُق الشعراء، يتعلَّمون أن يُحبَّ بعضُهم بعضاً، فيُزهر الشِعر شِعراً أكثر، وتزداد الغبطة في قلب سعيد عقل.