السبت 6 أيلول 2003
– 1 2 3 –
لَم تَعُد جديدةً تَهنئتُنا تلفزيون “الْمستقبل” على “إنتاجه” الأخير: كوكبة الأصوات الْجديدة بعد تصفيات حلقات “سوبر ستار” وما رافقها من تظاهرةٍ شعبية عارمة على مستوى الدول العربية. غير أن تلفزيون “الْمستقبل” يبدو غير مهتم بـ”قطف” هذه الظاهرة في أوجها، لتوظيفها في هدف واحد ووحيد نَحتاج إليه هذه الأيام: بناء نَجم بديل أو نَجمة بديلة، بكل ما في هذا الـ”بناء” من صقل وشغل وانتباه وجهد وتَمارين وشكل ومضمون.
فعدا أن “الْمستقبل”، منذ انتهاء الْمسابقة، أخذ يستهلك وجوه أولئك الناجحين الْجُدُد، بإعادة لقطات منهم في مُختلف حالاتِهم ومراحل اشتراكهم في حلقات البرنامج (حتى بات الْمشاهدون يُمضون نصف السهرة كل ليلة يتفرجون على لقطات مستعادَة باتت مكررة حتى السماجة بِما يَجعل الْمشاهدين ينفرون من تكرارها عليهم) لا يبدو أن “الْمستقبل” يشتغل فنياً على “نَجم” بديل يَملأ فراغ الساحة. ونقول ذلك، آسفين، بثلاثة ش+واهد:
1) قبل أيام شاهدناهم (الـ12 معاً) على الْمدرج الروماني في زوق مكايل، فإذا هُم يظهرون على الناس بثياب كيفما اتفق، وأحذية كيفما اتفق، وفوضى في دخولِهم الْمسرح وخروجهم عنه كيفما اتفق، وتعثُّر في التحية الأخيرة كيفما اتفق، وحركات مَمجوجة مستهلكة كيفما اتفق (حركة الكفين تَحميساً، أو وضع الْميكروفون تَحت الإبط ثم التصفيق حثاً للجمهور على التصفيق، أو حركات فم ووجه وكتفين يقلّدون بِها الْمحترفين، وخاصة من يغنُّون في الْمطاعم والْمقاعي والفنادق)، ما يدل على أن ليس من يدربُهم على ظهورهم ويعتني بِمظهرهم.
2) ما إن انتهت الْمسابقة حتى أخذنا نرى صور الفائزين الأوائل تطالعنا وسع اللافتات الإعلانية الكبرى على نواصي الطرقات والشوارع معلنة عن حفلات لِهؤلاء الْجُدد في مرابع وصالات يتم منها تَخريْج صيصان الْمطاعم وقبابيط القهاوي الْحاليين، ما يدل على أن هؤلاء الْجدد سائرون على الْخط الاستهلاكي الرخيص نفسه.
3) من استقصاء بسيط أجريناه، بسؤال العارفين في الأمور، تبين لنا أنّ هؤلاء الذين نَجحوا بأغاني سواهم من الْمكرسين، ما إن بدأوا مسارهم الفني حتى تسلَّم أمورهم ملحّنون وكاتبو كلمات هم أنفسهم من أوصلوا الأغنية الْحالية الى مستواها الْمنحط ألْحاناً طقاطيقية ونصوصاً تافهة وأجواء مطعمية و”نايت كلوبية” ساقطة ومزرية.
يعني؟؟؟ يعني تيتي تيتي. وآمالنا من أصوات جديدة مؤهلة أن تَخلق جديداً في الأغنية الْمعاصرة، ضاعت في موجة السقوط التافه الذي انْجرف إليها بدورهم هؤلاء الْجدد. وتلفزيون “الْمستقبل” (بعد الْجهد الرائع الذي بذله في هذا البرنامج الذي وضعه حقاً واستحقاقاً في طليعة تلفزيونات الْمنطقة كلها) كنا نأْمل منه أن ينتدب من يرعى هؤلاء الْجدد: كلمات وألْحاناً ووقفة مسرحية وملابس ومظهراً وما يَجعل من صاحبِ الصوت الْجميل صاحبَ مضمون يليق بالصوت، وهو هذا كله ما جعل الكبار في الفن نُجوماً وشخصيات خالدة لا تتكرّر.
فالصوت لا قيمة له في ذاته إن لَم يَحمل مضموناً هو الذي جعل الْمكرَّسين مكرسين، وأبقى سواهم مُجرد طفرة وفقاقيع صابون، ويُبقي الساحة اليوم خالية من مكرسين جدد.