السبت 9 آب 2003
– 7 1 3 –
تواصِلُ تأَلُّقَها الْحضاري زوق مكايل. بِخطواتٍ مُتّئدة إنّما وثقى، تَحتلُّ الصدارة في غير قطاع.
قبل ليلتين، كنا فيها نَحتفل بـ”ليالي السوق العتيق” وهي باتت (هل نَسِينا “عيد العشاق” في السوق العتيق؟) تقليداً سنوياً يرتاده عارفوه وزوارٌ جدُدٌ وسياح، يتأمّلون هذا السوق العريق القدم والتاريْخ والْمهابة، يتنقلون بين الْمحَالّ العابقة بأجمل الْحرفيات، ويزورون “بيت الْحرفِي” الذي يؤسس لِمدرسة لبنانية من صناعة تكاد تنقرض، ويِختمون زيارتَهم في أحد الْمطاعم اللبنانية الأصيلة، وفي آخر الليل يعودون أدراجَهم مروراً بـ”دَرَج القَمَر”.
ومع افتتاح “ليالي السوق العتيق” شهدنا تدشين “جسر التسامح” و”ساحة التسامح” بِحضور مندوب عن الأونسكو التي منحت زوق مكايل جائزة “السلام للعالم العربي 1999” تتويْجاً لِما فيها من ورشة جمال وعمران.
وقبل أيام، كنا فيها، زوق مكايل، نشهد افتتاح “الْمدرج الروماني” بباكورة نشاط “مهرجانات زوق مكايل الدولية”: رائعة بروكوفييف “روميو وجولييت” الباليه التي لا يَجد فلاديْمير بوتين سواها تكريماً لضيوفه في الكرملين أو رفيقة له الى أسفاره الرسْمية الكبرى في العالَم. وفي برنامج “الْمدرج” لِهذا الصيف تتمة لـ”مهرجانات زوق مكايل الدولية” يعتز بِها، على حداثة لَجنتها، ريبيرتوار الْمهرجانات الكبرى في لبنان.
وقبل أشهر، افتتحت زوق مكايل، في حي مار مخايل، طريقاً جديداً طوله نَحو كيلومترين هو نَموذج التعبيد الْمثالي والبيئة الْمثالية (نظافة وزهوراً وخضرة) والْهندسة الْمثالية والْخطوط البيضاء الْمتواصلة والْمتقطعة والإشارات وتوجيهات مُدُنية يَحترمها الْمواطنون قيادةً ووقوف سيارات، حتى لكأننا في أرقى عواصم العالَم.
وبعد أسابيع، تدعونا زوق مكايل الى افتتاح “متحف الياس أبو شبكة” (في مناسبة الْمئوية الأولى لولادة الشاعر: 1903-2003) بعدما (في خَمسينية وفاته: 1947-1997) افتتحتْه بيتاً أهَّلتْه جاهزاً ليكون متحفاً.
غير أن زوق مكايل ليست بلدية لِمجرد أنّها بلدية، فبلديات لبنان ملء لبنان وليست جميعها صورة عن زوق مكايل. إن زوق مكايل عقل حضاري متنوّر مُخطط، اسمه نُهاد نوفل (رئيس بلديتها منذ 40 سنة، أي منذ بدأ ينقلها من ضيعة منسية على خصر الْخليج الى ضوء حضاري في العالَم عبر منظمة الأونسكو والتوأمة مع مدن حضارية). والذين يقولون إن لبنان في حاجة الى استنساخ نُهاد نوفل لبلديات لبنان (هو وقلّة قليلة من رؤساء بلديات نقلوا بلداتِهم الى مستوى حضاري) يَقولونَها بين فرح ما أنْجَزَ نُهاد نوفل وحسرةِ أنْ ليس عندهم مثله في بلدياتِهم.
ويا حبَّذا لو كانت من صلاحياته مداخن الزوق، إذن لكان قضى عليها من سنوات وزاد من عمر الذين تقضم عمرهم مداخنها السرطانية القاتلة، ولا تتحرك لإنقاذِهم دولةٌ تتلهَّى بِمشاحنات السياسيين.
فما أعظم ما تستطيعه السلطة الْمحلية للمجتمع الأهلي حين يؤتاها فكر رائد حضاري رؤيوي يرى أبعد مِمَّن لا يَرَون أبعد من أنوفهم فيتلهّون بِحزازات ضيعوية زاروبية صغيرة وفقيرة وحقيرة.
فكرٌ حضاريٌّ يكونُ عنوانُهُ… نُهاد نوفل.