السبت 16 آب 2003
الـربـاط – 8 1 3 –
التنظيمُ الدقيق في الدورة الْحادية عشْرة لـ”مهرجان الأغنية العربية” في الرباط (مسرح مُحمد الْخامس: 12-14 آب) انعكس ارتياحاً لدى الأصوات الْمشاركة في الْمسابقة (من الأردن، البحرين، تونس، الْجزائر، السودان، سوريا، سلطنة عُمان، فلسطين، قطر، لبنان، ليبيا، مصر، الْمغرب، اليمن). وعبدالْحفيظ الْهرقام (تونسي، الْمدير العام السابق للتلفزيون التونسي، والْمدير العام الْحالي لـ”اتّحاد إذاعات الدُّوَل العربية”، منظِّم هذه التظاهرة السنوية) كان عالي الْمسؤولية الْمهنية في قوله لي إن الاتّحاد يُجري سنوياً جردة نقد ذاتي لتحسين الدورة التالية وتطويرها (العام الْمقبل في اليمن، وبعده في السودان). ولذا، بعد الأمسية النهائية، طلب منا (كأعضاء لَجنة التحكيم) أن نلفته الى ملاحظاتنا التنظيمية والتقنية والإدارية، وهذه بادرة مُمتازة للتقدم والتحسين.
غير أن الأصوات الْمُشاركة، على عالي معظم خاماتِها الصوتية (بعدما خضعت لتصفيات لَجنة الْمهرجان)، واجهت صعوبة (ليست مسؤوليّتها ولا هي مسبِّبتها) تَجلّت في تقسيم العلامة الى 40 للصوت والأداء والْحضور، و30 للنص و30 للّحن، وهو تقسيم (ولو كان عادلاً ولو لا بد منه كما يَحصل دائماً) لَم يَخدم معظم الْمشاركين.
فالصوت (كما حال الْهواة الْجدد في الْمسابقات التلفزيونية والإذاعية) قد يكون مُمتازاً بدرجة عالية من الْخامة والأداء واللفظ ومَخارج الْحروف، لكنه يَخسر بِهبوط مستوى النص الذي يؤديه، أو اللحن الذي يغنّيه، خصوصاً بعد تفشي الْموجة الْحالية الرخيصة من الكلام التافه والألْحان الْهابطة.
وهذه الظاهرة بالذات كانت مِحور النقاش في الندوة التي انعقدت على هامش الْمهرجان (قاعة “مدينة العرفان” في وزارة الإعلام) حول “أغنية الأطفال وإشكالاتِها”، وخلُصَت الى أن النجاح الْمشهدي (كأفلام الكرتون، أو الفيديو كليب) واللحن السائغ للأطفال، يسقطان أمام ضحالة نصٍّ يبقى في الْمستوى الترفيهي والتسلوي ولا يقدِّم للطفل رسالة تربوية أو تثقيفية.
وإذا سقوط اللحن يُنقِذه أحياناً توزيعٌ ملوَّن أو استخدامٌ بارعٌ لبعض جُمَلِهِ الْميلودية، فلا اللحن الْمُجَمَّل ولا الصوت الْجميل ينقذان النص من سقوطه، حين يكون تافهاً يرصف الكلام الْمكرر الْمستهلَك الْمعلوك.
من هنا أننا في الأغنية اليوم أمام أزمة نص هو الشريك (بل الْمتواطئ الأكبر) في سقوطها، مهما كان الصوت جيّدَ الأوتارِ والْخامةِ وأداءِ لَحنٍ قد يكون مقبولاً. ذلك أنّ النص الناجح ليس في “ماذا يقول” (فالـ”ماذا” متوفرة لكل الناس) بل في “كيف يقول ماذا” (وهنا مقدرة الشاعر الْمتميّز). وهذا ما لا يعيه عندنا اليوم مطربون كبار أسسوا مَجدهم الفني على كلامٍ شاعريٍّ متينٍ ورائعٍ مغمورٍ بلحنٍ متقنٍ مشغولٍ، فكانت أهَميةُ صوتِهم لا في خامة الصوت وحسْب بل في ما يَحمل هذا الصوت من مضمونٍ نَصّيٍّ ولَحنِيّ. وحين في الفترة الأخيرة استسهلوا تناولَهم أيَّ كلامٍ سخيفٍ يغنُّونه، سقطت أغانيهم ولَم تشفع بسقوطها خامةُ أصواتُهم مثلما انْحفرَت طويلاً في وجدان الذاكرة الشعبية الْجَماعية.
فيا حَبَّذا لو يقوم القيّمون على “مهرجان الأغنية العربية” (ونُظراؤُهم في الْمهرجانات والْمسابقات الشبيهة) بإجراء مسابقات ومهرجانات خاصة بـ”شعر الأغنية” فقط، تصفيةً مسبقةً لسقوطٍ مريعٍ تَشهَدُه الأغنية الْجديدة هذه الأيام.