311: أخيراً… بيتـُه متحفاً

أخـيـراً… بـيـتُـه مـتـحـفـاً
السبت 28 حزيران 2003 – 1 1 3 –
بعد ما يزيد عن ربع قرن سعياً ومتابعاتٍ وتَخليصَ معاملات قانونية وعقارية، سنشهد بيت الياس أبو شبكة متحفاً، فيتحقق حلمنا جميعاً – أهل الشعر والأدب والثقافة – وقبلنا جميعاً حلم نُهاد نوفل الذي ليس رئيس بلدية زوق مكايل وحسب، بل باني زوق مكايل الْحديثة، نَهضةً وبيئةً وعمراناً ومثالاً ووردةً تتغاوى على صدر لبنان.
الخطوة تأتي تالية بعدما تَمكّن الْمحامي نُهاد نوفل من استملاك البيت (في مطلع الثمانينات)، ومن تَجهيزه ترميماً ليستقبل الْمتحف (وكان تدشينه في خمسينية الشاعر عام 1997)، ليأتي تدشين الْمتحف هذا العام لِمناسبة الْمئوية الأولى (1903-2003) لولادة الشاعر الذي عاش في هذا البيت طوال حياته، وفيه كتب جميع روائعه الشعرية والنثرية، وخلق منه أسطورةً في كتاباته، طريفها والْجاد، قبل أن ينقصف في ربيعه الثالث والأربعين.
وإذا انتهى تَجهيز البيت (داخله دهاناً وأبواباً وشبابيك وإعادة رسوم السقف، وخارجه الْحديقة وأقبية العقد والسور) ليكون متحفاً يليق، فتَجهيز الْمتحف بدأ فعلياً هذا الشهر بعدما عهد به رئيس البلدية نُهاد نوفل الى شاعر الديكور والْهندسة الداخلية الفنان الكبير جان لوي منغي (جهز متحف سرسق لِمعارض جورج شحادة وجبران وناديا تويني، وجهز الْحديقة العامة في زوق مكايل لاحتفال ناديا تويني والياس أبو شبكة وفؤاد غبريال نفاع، وجهز معرض الْحرير في بسوس، …) وهو الضليع الْمرهف بإنطاق الْجماد حين يَحوي الْجماد أهل الشعر.
الْمخططات الأولية التي وضعها منغي لِمتحف الياس أبو شبكة، كفيلة حتماً بِجعله أجمل متحف شخصي في لبنان (وفي الْمنطقة الْمحيطة بالطبع) يقام لشاعر غاب. فهو عرف كيف يستمدُّ من شعر أبو شبكة نسغاً لِخطوط الْمتحف، ومن مناخ شعره جواً لبيته. ومن حياته (وما رفده به نُهاد نوفل من معلومات ومَخطوطات ومتاع ستكون في البيت بين أثاث استعيد وصور فوتوغرافية أصلية في البيت وللبيت وأثاث البيت كما كان) أعاد جان لوي منغي بيت الياس أبو شبكة كما كان عليه البيت (في الزوق يسمى “الْحارة” لكبره واتساعه وندرة أمثاله)، حتى ليدخله الزوار كأنّهم يدخلونه ليزوروا الياس أبو شبكة كما كان بيته، لا ليزوروا متحفه جامداً بأغراضه.
تَحاشياً لِهذا الْجمود، زرع جان لوي منغي غرف البيت حياة: في الصالون الكبير صور الشاعر مكبرة جداً وفي خزائن خاصة (زجاجية مقفلة) تستريح مَخطوطاته ورسائله، وعلى الْحيطان شاشات متحركة تتلألأ بصور الشاعر وكتابات بِخطه مكبرة تتراءى منها وجوه الْمرأة الْمكتوب لَها هذا الشعر أو ذاك، وخصص غرفة أخرى لغلواء (زوجة الشاعر غير الْمقيمة) فزرع فيها كتابات إليها وصوراً ووثائق، والى جانبها غرفة نوم الشاعر (سريره الأصلي، خزانته الأصلية، طاولته الْخاصة الْمستديرة، نظاراته، قداحته، قلمه، مَحبرته،…)، وفي غرفة مُجاورة زرع كتبه وكتباً عنه وكل ما صدر عنه من مؤلفات وأعداد خاصة في الْمجلات ومقالات ودراسات وفصول في كتب، وفي غرفة أخرى (صغيرة) تَجهيزاتُ صوت وصورة لسماع (أو مشاهدة) أشرطة عن الشاعر صدرت في الإذاعات والتلفزيونات،… وتَحت البيت كهوف صغيرة لِمعارض ولقاءات ثقافية تَجعل الْمتحف مركزاً ثقافياً خاصاً مُميزاً.
بعد انتهاء جان لوي منغي من عرض مُخططاته (الْموضوعة على الكومبيوتر رائعة الْجمال في أعلى درجة متقنة وحديثة) سأل رئيس البلدية: “هل أعجبك العمل؟”، فأجاب هذا الأخير: “بل أعطاني الفرح الكلّي الأجمل”.
نُهاد نوفل: ونَحن كذلك.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*