307: إنجيلية في النبطية

السبت 31 أيار 2003
– 7 0 3 –
في طريقي الى النبطية لِحضور “الْمعرض السنوي الثاني عشر” في الْمدرسة الإنْجيلية الوطنية، كان في بالي أن أعاين، كالعادة، أعمالاً حرفية ويدوية بدائية من شغل التلاميذ. ولَم أنوعد، حين دعاني إليه الصديق الشاعر جميل معلّم (أستاذ العربية في الْمدرسة) بأكثر مِما في معارض مثيلة عند احتفالات نِهاية السنة الْمدرسية.
غير أنني حين بلغت تلك الْمدرسة العريقة (تأسست في النبطية عام 1925) وجال بِي الشيخ منذر أنطون (مديرها منذ 1975) على أقسامِها وفروعها، مسدياً إليّ بعضاً من تاريْخها الْمجلّي في عروس جبل عامل، وجدتُ أنني في صرح علمي مغاير اعتدنا نتائِجه وأعماله وبيادره من مدارس هذه الطائفة الكريْمة ومعاهدها العليا وجامعاتِها.
وانطلاقاً من شعارها “العلم نورٌ ومعرفة وحق”، أسست هذه الْمدرسة في النبطية تاريْخاً من النجاحات اللافتة، فمنها دائِماً أوائل بين تلامذة لبنان في البكالوريا والبريفيه، حتى أن السؤال لَم يعد إن كانت نسبة النجاح فيها مئة في الْمئة، فهذه باتت عادة مألوفة كما قال الشيخ منذر أنطون، بل ما هي درجة النجاح: “جيّد” أم “جيّد جداً”.
نَجول في الْمعرض، غذّت أجنحته نوادي الْمدرسة (بإشراف السيدة غادة أنطون) موزعة أعضاءَها على نوادي النحاسيات والسيراميك والخشبيات والورقيات والخياطة والتطريز، والفخاريات والشمع، والرسم (على القمصان والحجر والصحون والقماش والأواني الزجاجية،…) فنوادي العلوم والتكنولوجيا ذات الأجنحة الْموزعة على اختبارات الفيزياء والتكنولوجيا والكيمياء والبيولوجيا والْمعلوماتية، الى صور وملصقات ومُجسّمات ولوحات إيضاحية وعُلَب وأشكال ورسوم علمية وإيضاحية وتركيبات كهربائية وإلكترونية، حتى أن جميع التلامذة توزعوا أعضاء في النوادي من مرحلة الروضة الأولى (4 سنوات) الى تلامذة الثانوي الثالث بدون استثناء.
ولَم تكن الأجنحة معروضات صامتة. فعدا التي من صنع الصغار (بالكرتون أو الورق أو الْمعجونة الطرية أو الشمع) وقف التلامذة (من مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي) يشرحون لنا بكل ثقة وحَماسة ووضوح وصفاء ذهن وعقل ومعرفة، ما هو الجناح، ما تراكيبه، كيف تعمل أجهزته أو أدواته (بعضها على البطارية وبعضها على الكهرباء) ويتبسطون في التفاصيل الدقيقة حتى ليكبر في البال السؤال: كيف يُمكن تلامذة بِهذه النباهة العالية ألاّ ينجحوا في الامتحان بامتياز فيكون الامتحان نزهة لَهم فكرية وذهنية وعقلية يلهون بِها من دون إحراج او ارتباك؟
وما توفّره الْمدرسة من معدات وأدوات ومُختبرات وأجهزة، الى مكتبةٍ غنيةٍ بالكتب القديْمة التراثية أو الروحية أو الفكرية، يَجعل تلامذة هذا الصرح الكبير ذوي حظوة بالانتماء إليه والإفادة من تسهيلاته الصفية واللاصفية معاً، فيتخرجون لا متعلمين حاملي شهادات وحسب، بل حَملة شهادات مثقفين كذلك، وهو ما نفتقده في الكثير من مدارسنا التي في معظمها “تفبرك” متعلمين لا مثقفين.
الْمدرسة الإنْجيلية الوطنية في النبطية، منارة لا يَمتد إشعاعُها على جبل عامل وحسب، بل هي نَموذجية عالية يَجمل أن تَحتذيها الْمدارس في كل لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*