السبت 7 حزيران 2003
– 8 0 3 –
كانت الرملية، لسبب فونيمي بَحت لا تبرير له، تعني لِي رملاً وبقعة صحراوية جرداء. ربّما لأنَها، كمعظم القرى اللبنانية، اكتسبت اسْمها مِما كانت عليه في الْماضي ولَم تَعُد عليه اليوم، بل باتت على النقيض تَماماً: واحة خضراء وبقعة جَمال لا صحراء فيها، بل جنة صغيرة تسند ظهرها الى جبل مبارك، تزاول قيلولتها على خصر وادٍِ ظليل قبالة جبل مَهيب، وتَهنأُ الى ورشة بيئية مركزية ناشطة جداً أسسها الصديق أكرم شهيِّب (قبل أن يدخل الْحكم وزيراً للبيئة) مع شلة ناشطين بيئيـين مؤمنين بأن لبنان السياحي لا يُمكن أن ينهض من دون السياحة البيئية.
وفي “مركز الْمتوسط الْحرجي”، على تلة شاعرة من الرملية (قضاء عاليه)، دعتنا “جمعية حماية وتنمية الثروة الْحرجية”، مواطنين وبيئيين ورسميين، الى مهرجان سياحة بيئية انفتحت له قلوبنا والرئات، بِما لَمسنا من نشاط تطوُّعي مدني أثبت أن جَمعياتنا الأهلية ومنظمات مُجتمعنا الْمدني أقوى وأفعل من مؤسسات الدولة.
وتبين لنا كم ان هذه “الْجمعية” (في ما سوى عشر سنوات) نشطت (منذ 1993) في ما يذهل الوجدان لتحقيق هدفها الرئيس: “حِماية الْموارد الطبيعية وتطويرها باستمرار، نشر التوعية البيئية، بناء القدرات كي تشارك فعلياً في إدارة البيئة على الصعيد الوطني”. وهي تَحركت ميدانياً، فأسست (1994 بدعم من الاتّحاد الأوروبي) “الْمشتل الْحرجي” الذي بات ينـتج سنوياً نَحو 75 ألف غرسة (أشجار مَحلية ونباتات عطرية وطبّية) يتم استخدامُها في حَملات التشجير وإعادة التحريج، كما أسست (1996 بإسْهام من وكالة الدعم الإسبانية والصندوق العالَمي لِحماية الطبيعة) “مركز الْمتوسط الْحرجي” هو، بأقسامه وجناح الضيافة فيه، موئل بيئي نَموذجي للتدريب (على التربية البيئية وإدارة الغابات والْمحميات) والتوعية البيئية والنشاطات والْخدمات البيئية.
ونشأ عن الْجمعية جهاز متطوّعين موزعين (حتى الآن) على سبع وحدات: الرملية، رأْس الْمتن، قرنايل، دميت، ميمس، الْمتين، عين دارة، تعمل جَميعها كخلايا النحل في تعزيز نشاطات الْجمعية وبرامِجها: التحريج (في مُختلف الْمناطق اللبنانية)، مكافحة حرائق الغابات والتوعية على الوقاية منها (تعاوناً مع جمعية الْخط الأخضر وجمعية أرز الشوف) وفي برنامَج هذا النشاط مشروعان جاريان: إتباع آلية مستدامة لِمكافحة حرائق الغابات في لبنان، وحِماية الْمناطق الْحرجية (مشروع مشترك في لبنان وتونس والْمغرب وتركيا، بدعم من الصندوق العالَمي لِحماية الطبيعة). وفي البرامج الأخرى للجمعية: بناء القدرات البشرية وتأهيلها وتدريـبها وتَـثْمينها وتَـثميرها، وإطلاق أندية بيئية في 60 مدرسة حتى اليوم (تعاوناً مع مؤسسة هانس زايدل الألْمانية ووزارة البيئة عبر برنامج الأمم الْمتحدة الإنْمائي). وثَمة نشاطات توعية بيئية، وحَملات بيئية، وشبكة سياحة بيئية (تأْهيل مواقع ومَمرات تراثية وطبيعية، حلقات مشي وركوب دراجات، تسلُّق، تَخييم، تشجيع السياحة الداخلية، ندوات، مُحاضرات، …).
قبل ذاك الْمهرجان (السبت الْماضي) كانت الرمليّة تعني لي بقعة رمل وصحراء. بعده هي واحة جَمال خضراء تشعُّ على كل لبنان لتجعل فيه السياحة البيئية عنوانَ شرفٍ لكل لبناني عبر هذه الْجمعية النبيلة.