السبت 19 نيسان 2003
– 1 0 3 –
بين سقوط النظام في بغداد (وما رافقه من مطاردة رموزه وإسقاط تَماثيل الْحاكم) واستقالة الْحكومة عندنا (وما رافقها من “استشارات” وجدها البعض “كرنفالية معلّبة صوَرية” لِما تَميّزت به التشكيلة الْجديدة، كعادة كل تشكيلة سابقة، من مُحاصصة وكوتا موزَّعة على الرؤساء والنافذين والطوائف والكتل والْمناطق وأولياء الأمر) يبدو التشابه متطابقاً في التوجّه الى الْمواطن: أمطلوب تعويده على الولاء للوطن أم الإبقاء عليه في الولاء لسياسيي الوطن؟
وإذا كان العراقي (الْمعتاد منذ سنوات طويلة على الولاء للحاكم) شعر بعد سقوط الْحاكم بأهَمّية الولاء للوطن يوم وعى بأنّ على أرضه مُحتلاًّ جاء “يُحرره” على طريقة الكاوبوي الذي “حرر” الْهنود الْحمر، فماذا ينتظر اللبنانيين من أحداث أو “صدمة” حتى يعوا ضرورة الولاء للوطن ومصلحة الوطن ومستقبل الوطن، قبل انْجرافهم في الانْحياز الى هذا أو ذاك، والتظاهر من أجل هذا أو ذاك، والانقياد وراء هذا أو ذاك، والانصياع لرغبة هذا أو ذاك، والاستزلام لِمحسوبية هذا أو ذاك، والاستسلام لِمشيئة هذا أو ذاك، والتطبيل والتزمير (روبوتياً) لِهذا أو ذاك…
في الغرب، حيث الديْمقراطية حقيقية الى حد كبير (أكبر مِما عندنا على كل حال)، الْمسؤول السياسي (رئيس، وزير، نائب، سيناتور، حاكم ولاية أو مقاطعة، مُحافظ، رئيس بلدية، …) له لقب آخــر: “خادم عام” (public servant). فأين نَحن من أن يكون الْمسؤول السياسي عندنا خادم الشعب، هو الذي يستخدم الأزلام والْمحاسيب رعاعاً لديه، وينظر الى الشعب نظرة فوقية لا تنحدر قليلاً عن البرجعاجية إلاّ زمن الانتخابات؟
في إحدى مقولاته الشهيرة، يقول السفير فؤاد الترك: “أنا موظَّف عند رب عمل واحد، هو لبنان”. ولأنه كذلك، ويرفض الاستسلام والاستزلام والانْحساب على أحد، “عاقبه” أولياء العشيرة دورتين متتاليتين في انتخابات زحلة، ليرتع أولياء العشيرة بأصوات مَحاسيبهم وأزلامهم.
وفي مشهد من مسرحية “ناس من ورق” للأخوين رحباني، تُخاطب ماريا (فيروز) مستزلِماً فتقول له عن سيده: “إنت اللي بتحملُّو الكرسي، وهوي اللي بيقعد عَ الكرسي”.
فمتى يعي شعبنا أنه هو الأساس وهو الركن وهو الكرسي، فيتوقف عن الْخضوع والْخنوع والاستزلام والاستسلام ورفع الشعارات والصور والتماثيل والأصنام واليافطات والأصوات في الاعتصامات والْمظاهرات، زحفاً وراء زعيم أو قائد أو سياسي أو مسؤول، فيما ديْمقراطية لبنان تُخوّله دستورياً أن يُحاسب ويرفض ويفرض، حتى إذا توسعت سلطة الشعب انصاع الْمسؤول وانْحنى من برجه العاجي؟
الْمواطن في خدمة الوطن. الدولة في خدمة الْمواطن. الوطن فضاء الْمواطن وأرضه وانتماؤه. الدولة تسوس شؤون الْمواطن بِما يوفر حاضر الوطن ومستقبله. إذاً: الدولة تَخدم الْمواطن، وبه وحده، لا بأركانِها، تَخدم الوطن. أي أنّها ، بِهذا، خادمة الوطن، يعني خادمة الْمواطن، يعني أن كل مسؤول في الدولة هو خادم الْمواطن.
من هنا نبدأ، فتسقط لوحدها التماثيل وتنْزل الصوَر لوحدها عن الْحيطان.