مُلوك الطوائف… أم ملوك السقوط؟

8 شباط 2003
– 1 9 2 –
فيما الفسيفساء الرسْمية العربية تتهاوى صرعى بين التواطؤ والتبعية وصمت مريب أقسى من الْخيانة،
وفيما الفسيفساء العربية الشعبية تائِهة بين شارع مَمنوع عليه التحرُّك، وشارع غاضب يريد أن يتحرك، وشارع “روبوتِي” يُحرِّكه أسياده تظاهرات “بالروح بالدم” فيما هُم ضالعون في الْمؤامرة على هذا الشارع بالذات،
وفيما العالَم مشغول بين قرارات الأمم الْمتحدة وقرار القوة العظمى الوحيدة بالتحرك من دون الأمم الْمتحدة لأن “ملوك الطوائف” منقسمون على بعضهم البعض أو يتزاحَمون على إرضاء “الباب العالي” في واشنطن،
تأتي مسرحية “ملوك الطوائف” صفعة من منصور الرحباني على الواقع العربي الذي لَم يعرف ضياعاً في تاريْخه الْحديث ولا الوسيط، مثلما يعرف اليوم نسخة “عصرية” عن انْهيار الأندلس بسبب خيانات ملوكها.
في بال الكثيرين سؤال يتردد: “:لِماذا منصور الرحباني يلجأ الى التاريْخ (“صيف 840″، “آخر أيام سقراط”، “أبو الطيّب الْمتنبي”) كي يقول ما يريد أن يقول”؟ لكن هذا السؤال ينتفي مبرره لأن ما يريد أن يقوله منصور الرحباني سيقوله سواء استوحى مسرحيته من صفحات التاريْخ أم كتب عملاً مبتكراً من تأْليفه. فما يتخلل أعماله التاريْخية عادة من “نتعات” و”نكعات” و”غمزات” و”لَمزات” يُمكن أن يقوله على لسان شخصية تاريْخية أو على لسان أية شخصية من ابتكاره (كما كان يَحصل أيام الأعمال الثنائية مع عاصي، من كلام على لسان “عطر الليل” (“أيام فخر الدين”) أو “زاد الْخير” (“ناطورة الْمفاتيح”) أو “غربة” (“جبال الصوّان”) أو “وردة” (“الْمحطة”)، … غير أنه، حين يضع تلك اللسعات القاسية على لسان شخصيات تاريْخية (“سقراط”، “سيف البحر”، الْمتنبي”،…) تأتي أقسى لأنّها تشير الى أن تاريْخاً عربياً طويلاً من التواطؤ والْخيانات ما زال يتناسل حتى اليوم في وسائل عصرية ليس أقلّها ما تنقله وسائل إعلام العصر الفضائية عن الصمت العربي العجيب الغريب الْمريب إزاء فلسطين والعراق.
وما يقوله منصور الرحباني في “ملوك الطوائف” (بدءاً من هذا الأسبوع على مسرح كازينو لبنان) شاهِدٌ على أن “ملوك الطوائف” (بِخياناتِهم وتواطؤاتِهم ومؤامراتِهم و”مؤتَمرات القمة” بينهم) صورة عربية عصرية مستنسخة للواقع الأندلسي التاريْخي. ومشاهدو الْمسرحية الذين سيتابعون كيف اجتمع “ملوك الطوائف” في “مؤتَمَر قمّة” بينما إحدى مَمالكهم (قرطبة) يُحاصرها أحد ملوكهم (ابن ذي النون ملك طليلطة) وكيف بادر الْمعتمد بن عباد الى إرسال جيشه لإنقاذها ثم ضمَّها إليه واحتلَّها واستعمرَها، وكل ذلك وسط صمت أندلسي متواطئ مشبوه، سيدركون (بِحسرة ربّما، وربّما بغضب) أن ذاك الواقع الأندلسي صورةٌ قديْمة لواقع معاصر يعيشه العرب اليوم من الْمحيط الى الْمحيط، أو (كما كان يقول نزار قباني) “من البشاعة الى البشاعة”.
وأبعد مِما سيتمتّع به مشاهدو جُمهور “ملوك الطوائف” من جَمالات السينوغرافيا ودقائق إخراج مروان الرحباني وحضور غسان صليبا واحترافية كارول سَماحة وجَمال الألْحان الرحبانية، سيجدون فيها صفعة من كف منصور الرحباني ستظل تطن طويلاً على صدى التاريْخ العربي الْمعاصر الذي سيأتي يوم يقال فيه لِملوكه ورؤسائه وحكامه ما قالته لابنها أم عبدالله الصغير: “إبكوا كالأولاد ملكاً لَم تعرفوا أن تُحافظوا عليه كالرجال”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*