السبت 1 شباط 2003
– 0 9 2 –
ابن بعلبك، مولود عنقون (الْجنوب)، ساكن مِحور خلدة/الشويفات، الشاب الْممتلئ طموحاً في ربيعه السابع والعشرين، البريء تعاطياً مع الْمجتمع الأكبر لانصرافه طوال شبابه الى التصومع في الْمختبر وغرفة البحث والتحليل: حسن قَرصِيفي (بفتح القاف وكسر الصاد)، هو اللبناني الْجديد الْمرشّح اليوم للعالَمية بامتياز لافت.
في العادة أن نتابع برنامَجاً أو فيلماً أو كتابة كومبيوتر على شاشة كبيرة أمامنا، حتى إذا عَبَرنا وراءها لَم نعد نرى شيئاً، لأن بـثّ الصورة لا يكون إلاّ على جهة واحدة من الشاشة فيما تبقى الْجهة الأخرى ظلماء.
حسن مُحمّد قرصيفي، الْميّال منذ طفولته الى عالَم الإلكترونيات، حال وضعه العائلي دون الالتحاق بالْجامعة متخصصاً في ما يُحِب، فزاوج بين دراسة إدارة الأعمال في الْجامعة اللبنانية (أم الفقراء) ودخوله حقل العمل موظفاً في شركة تِجارية. غير أن التحاقه بالْجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا أتاح له الْحصول على شهادة “مايكروسوفت” في برامج الكومبيوتر، وتأْسيس شركة لبيع الآلات الإلكترونية.
وما زال مسؤولاً عن العائلة كما في شبابه اليافع: فوالدته الْمشلولة نزيلة معهد بيت شباب للمعاقين، ووالده تاجر متقاعد، وإخوته الأربعة في الْجامعات وهو الْمولَج بِهم جَميعاً، يعزيه أن اثنين منهم يتخصصان في ميدانه الأَحَب: الكومبيوتر، الأوّل يدرس هندسة الاتصالات في هَمبورغ (ألْمانيا) والآخر يدرس هندسة الكومبيوتر في الْجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا.
ولولا الشهامة التطوّعية من صديقه ومُحاميه إيلي كحالة، لَما تَمكّن حسن من تسجيل اختراعه مَحلياً في وزارة الاقتصاد اللبنانية (الرقم 6520 في مصلحة حِماية الْملكية الفكرية)، ولا من تسجيله دولياً لدى “الْمنظمة الأوروبية لتسجيل براءات الاختراع”.
كان حلمه أن يبدأ نشر اختراعه من مطار بيروت، على شاشة كبيرة تعرض مواعيد الإقلاع والوصول واللوحات الإعلانية من الْجهتين، وهو ما ليس متوفراً لدى أيِّ مطار في العالَم، فيكون لبنان بذلك سبّاقاً مرتين: الأولى ابنه الْمخترع النابغ، والأخرى بتعليق شاشة يقرأها رائيها من الْجهتين في الوقت نفسه. غير أن حيتان الالتزامات التجارية الْمتعاقدة عندنا مع الدولة، حالوا دون أن تتبنّى الدولة هذا الاختراع في الْمطار، ولا في أية دائرة أخرى من دوائرها، ولا اهتَمَّ حتى اليوم أحد من الْمسؤولين عندنا بِهذا الْمخترع اللبناني الْجديد.
أمام هذا الواقع الْمرير (وهل واقع دولتنا مع مبدعينا كان يوماً إلاّ مريراً؟) يستعدُّ حسن قرصيفي للسفر قريباً الى الْخارج، الى دولة تَهْتَمُّ باختراعه تنفيذاً وتسويقاً، وربّما تفرض عليه أن تتبنّى الاختراع باسْمها، فيخسر لبنان فرصة علميةً كبرى، ولا يذكرها إلا تبجُّحاً نوستالْجياً تنظيرياً بأن صاحبها “مُخترع لبناني”، تَماماً كما حصل مع الْمخترع الآخر علي عاكوم الذي وفرت له كندا كل التسهيلات وبات لديْها اليوم أحد أشهر الأطباء في العالَم.
حسن قرصيفي، وقبله علي عاكوم، وبعده حتماً لبنانيون آخرون، ينجبهم لبنان (جبران، حسن كامل الصبّاح، …) ويقدمهم الى العالَم فيربَحُهم العالَم “من أصل لبناني” ويَخسرهُم لبنان.