25 كانون الثاني 2003
– 9 8 2 –
بعد جان خليفة وعمر الأنسي وجبران، ها متحف سرسق يتحفنا بِمعرض استعادي كبير لِمصطفى فروخ (إلى 8 آذار الْمقبل) فاتِحاً صدر صالاته لأعمال مُختارةٍ (165 لوحة أصلية) من أعمال هذا الرائد اللبناني الذي يشكِّل ولوج متحف سرسق لقراءة أعماله “سِجِلَّ ذاكرة بل سجلّ مراحل تدريسية” (كما كتب في مقدمة كتاب الْمعرض كبيرنا غسان تويني، رئيساً للجنة متحف سرسق).
وليس أبلغ للدعوة إلى زيارة هذا الْمعرض الاستعادي الْمُمَيَّز من قول فروخ نفسه (قبل 50 عاماً) في أحد دفاتره الْخاصة: “على الذين يطلبون من الْحياة أكثر من الطعام والشراب، أن يفهموا الفنون في لبنان فهماً صحيحاً، وعندئذ يفهمون حقيقة أنفسهم، ومن ثَمّ حقيقة الْحياة” (28/8/1951).
“الدعوة”… هذه هي الكلمة، وهذه هي الغاية من هذه الكلمة في “أزرار” اليوم: مدارسنا، جامعاتُنا، جَمعياتُنا، مؤسساتُنا التربوية والثقافية والاجتماعية والسياحية، فلتبادر فوراً، وعلى عجل، وبدون تردد وبدون إبطاء، إلى حجز مواعيدَ لَها في متحف سرسق، كي يتاح لتلامذتِها وطلابِها وأعضائها والسياح أن يهرعوا (“يهرعوا”، هذه هي الكلمة) إلى متحف سرسق، للوقوف طويلاً (ومن الضروري “الوقوف طويلاً”) أمام أعمال فروخ لوحةً لوحة ، حتى يقرأُوا – في تَأَنٍّ ولذة ومتعة للعين والذهن والعقل – كلَّ لوحة على حدة، ويتأَملوا كل رقشة في اللوحة، كل خط، كل مشحة لونية، كل فارق لوني، فلا تصلهم اللوحة نظرة واحدة عابرة عجلى تفسد عليهم لذة التقدير.
لن يكتمل هذا العام الدراسي والْجامعي من دون ذهاب تلامذتنا وطلابنا إلى متحف سرسق. قال لي مسؤول في الْمتحف إن الْحضور إليه يتعثّر بين خجول وشبه كثيف، والْمدارس التي جاءت بتلامذتِها، معظمها من بعض بيروت. هذا لا يكفي. هذا عيب. هذا نقص تربوي. على جَميع الْمدارس في لبنان، من كل لبنان، أن تنظِّم زيارات إلى متحف سرسق، لتلامذة صفوفِها، وعلى دفعات، فلن يتاح لَهم أن يقفوا مباشرةً أمام لوحة لفروخ. وليست تكفي رؤيَتُها في الكتاب الْمدرسي، عابرةً مع نص عابر. وقوف التلامذة أمام لوحات فروخ دقائق طويلة في صالات متحف سرسق وأروقته، فرصةٌ لا تتكرر، كي يأخذ التلامذة إلى ذاكرتِهم انطباعاً ساطعاً من فنان لبنانِي عظيم.
شكراً لسيلفي عجميان التي (كعادتِها) “هَنْدَسَت” الأعمال بِحُب كبير للفن والفنانين، فعرضت فروخ وفق مراحل من حياته وحقبات تروي بصمت كثير كلاماً كثيراً عن الْمرحلة التأْسيسية لانطلاقة الفن التشكيلي اللبناني.
وشكراً لِمتحف سرسق على هذا الاستعادي الاستثنائي لكبير في الريشة عندنا، وعلى الكتاب الذي أصدره الْمتحف عن الْمعرض، فهو ما سيبقى بعدما يغلق الْمتحف أبوابه بعد نَحو شهر وتعود اللوحات إلى أصحابِها وإلى بيت فروخ هانئةً بعناية الابن الرائع الوفاء هانِي فروخ، الْمثال الأعلى لِمن يَحفظ تراث أبيه على أوفَى مستوى.
معرض مصطفى فروخ حدث ثقافي من أكبر ما يشهد لبنان في مطلع الألف الثالث، وكتاب الْمعرض (بصُوَره ونصوصه) من أغلى ما يَحفظه مثقف في مكتبته عن الفن الرائد في لبنان.