السبت 4 كانون الثاني 2003
– 6 8 2 –
نَهضتُ صباحَ الأحد الْماضي وبِي صُداع مُخيف جعلنِي أهرع عند أقرب مَن لديه آلة لفحص ضغط الدم. أخذ ضغطي فرأيتُ الصدمة في عينيه قبل أن أسْمع من فمه: 16/10. وإذ لسْتُ “مثقَّفاً” بشؤون الضغط، “نصحني” بِمراجعة الطبيب فوراً “قبل أن يتفاقم الوضع”. وما اتّصلت بطبيب صديق حتى هرع هو الآخر “مدجَّجاً” بـ”سكسويل” من الآلات الطبية، فـ”كبَّل” ذراعي بآلة الضغط و”أصدر” أوامره الصارمة بضرورة استرخائي واستلقائي واستراحَتِي، موزعاً أوامره على من حولِي بضرورة مراقبة “الضغط” وموافاته بالنتيجة كل بضع ساعات. فكانت النتيجة أن أمضيت فترة الأعياد الأخيرة بين ساعة الضغط في يدي ولوائح مَمنوعات (نَهتْنِي عن الْموالِح والْمقالِي)، واتصالات الأصدقاء الْمطمئنّين عن ضغطي الذي أخذ “يتراوح” (كالدولار أيام زمان) من 16 إلى 15 إلى 14 ومن 10 إلى 9 إلى 8 (ولَم أكن أفهم بكل هذا من قبل)، ونصائِح بِمزاولة الْمشي اليومي، إلى أن “صدرت الأوامر” مُجدَّداً بِمراجعة طبيبٍ للقلب طمأَننِي – رحْمةً بِحبيـبتِي وبالأصدقاء أكثر مِما بِي – إلى أن قلبِي “سليم” (للحُب والشعر) إنّما هذا “إنذار” بضرورة التنبُّه إلى مراقبة الضغط كي لا “يتراوح” فيه الـ”فوق” والـ”تَحت”.
الإنذار! وماذا عساي أفكّر لدى سَماعي هذه الكلمة؟ وعلى ما يقلق الشاعر أمام هذا “الإنذار”؟
أول ما فكّرتُ بقصائدي وكتاباتِي ومَخطوطاتِي ومؤلفاتِي: من يرعاها قبل أن يصحَّ فيها ما قاله عمر أَبو ريشة عن قصائد الأخطل الصغير في رثائه: “لَم يـبلغ الْخبَرُ الناعي مسامِعَها… عن مثل هذي اليتامي يُكتَمُ الْخَبَرُ”.
إلى من أُوكِلُها؟ ابْنِي الوحيد (البعيدُ مسافةً ومتابَعَةً، في الولايات الْمتّحدة) رغم كثير حنانه وصدق نواياه واعتزازه بنـتاج والده ولَو هو لَم يعُد متمكناً من قراءته، لا يستطيع أن “يتولاّها” بعدي، ليس قصوراً منه بل عجزٌ عن تصنيف مكنوناتِها وتصنيف حفظها. وإذ ليس من يُمكن أن يتولاّها (أكاديْمياً وعلْمياً ومتابعةً حفظية توثيقية دائِمة) لَم أَجد أمامي سوى “مركز التراث اللبناني” (في الْجامعة اللبنانية الأميركية) وهو الذي أعمل دائباً فيه حثيثاً على جَمع تراث أعلامنا، فليس أحرى منه بإيلائه تراثي.
أمام هذا “الإنذار” أقف متروياً عند جدّية الْموقف. ليس في طبيعتِي الْخوف من الْمجهول، بل عندي شجاعةُ الْمواجهة، وعندي حكمة الْحذر حيال الإرهاق ومراعاة الطعام والعمل الفائض والتعب الْمتواصل فلا يتصلّب هذا الشريان الرئيسي الذي (كما شرح لي طبيب القلب) يَمتدّ من القلب إلى الدماغ (وهو نفسه الذي، على ما أعلم، قضى بين أصدقائي على عاصي الرحبانِي ورياض شرارة ورياض فاخوري).
الْمطلوب إذن هو الاحتياط (هل هذا حذرُ شَجاعةٍ وحكمةٍ، أم تدبيرُ خوف وقلق؟). إنّما الْمزعج أن يصبح هذا “الاحتياط” من تكرار “الإنذار” هاجساً يقف يومياً بينِي وبين كل حركة! غير أنني أمضي، بِحذر حكيم، عينٌ على “ساعة الضغط”، والأُخرى على مواجهة قَدَرٍ لا يُمكنُنِي أن أواجهه (وأقهره) إلاّ بقلمي الذي يرفدنِي بِحُب الْحياة، وتالياً بالبقاء إلى ما بعد تَوَقُّف ساعة الضغط في يدي لَحظةَ يدهَمُنِي “الإنذار الأخير”.