285: قطعوا الشجرة… راح البيت

السبت 28 كانون الأول 2002
– 5 8 2 –
تكثر في هذه الأيام، لِمناسبة الأعياد والتهادِي، اتصالات الْموظَّفين والْموظَّفات في شركات البريد السريع (التسليم باليد على الباب) للاستفسار عن العنوان الْمفصَّل كي يُرسلوا هديةً أو رسالةً أو بطاقة معايدة.
ويروح الْمعنِيّ بالعنوان، لا بدون صعوبة أحياناً، يـبحث عن أفضل الطرق وأسهَلِها للإرشاد إلى بيته، انطلاقاً من الطريق العام، انعطافاً إلى مفرق أولَ يساراً ثُمّ مفرق ثانٍ يَميناً فمفرق ثالث يساراً وبعد 100 متر، وربّما الأصح 150 متراً، يوجد بياع بوظة لا يُمكن الاتكال دائِماً عليه (فقد يكون مَحله مقفلاً) لذا يَجب الاتكال على صيدلية إلى اليمين عند زاوية مُجمّع أبنية، في أحدها مصبغة وإلى جانبها مَحل نوفوتيه، مقابل عمود إلى اليسار، ومن هنا يَجب التوغل داخل الشارع حتى الوصول إلى بنايةٍ صفراء (كانت صفراء لكن طرشَها انْحلّ بعد مرور خَمسة وأربعين عاماً على بنائِها) وأمام هذه البناية شجرة كينا (مُهددة بالقطع لأنّ صاحب العقار الْمجاور ذو نفوذ ويريد قطعها لبناء “سنـتر تِجاري” مكانَها) وعند هذه الشجرة مدخل البناية، والشقة في الطابق السابع شرقي. وقد تكون الكهرباء مقطوعة وسكان البناية لَم يشتركوا بالْمولّد العام في الْحي (لأنّهم صدّقوا الدولة يوم قالت لَهم إن الكهرباء لن تنقطع بعد اليوم ومنعت الاشتراك بالْمولّد العام في الحي) وعندها لا يصعد موظف البريد مشياً إلى الطابق السابع فتبقى الْهدية عند جيران الطابق الأول أو عند ناطور في البناية يوصل الْهدية عندما يتيسر الأمر وتعود الكهرباء.
نعم ‍! كل هذه الإشارات على الْمرسل إليه أن يشرحها هاتفياً لِموظف (أو موظفة) شركة البريد السريع، حتى يُمكنه أن يستلم بريده. وإذا ما قطع أحدهم شجرة الكينا راح البيت والعنوان ولزم البحث عن “دالـول” آخر.
أهذا يَجوز في العشر الأول من القرن الواحد والعشرين؟ وما الذي ينقص الدولة (عدا ابتلائِها بالْمافيات) كي توعز إلى البلديات القيام بِهذا الْمسح في بلد ليس أكبر من بلدية في الصين أو مقاطعة في ولاية أميركية؟
ينقص الْمال؟ البلديات ما زالت تطلق صراخَها كي تقبض عائداتِها من “الصندوق البلدي الْمستقل” الذي وحده يكفي لِجعل لبنان كله، بفضل بلدياته، واحة نظافة وتنظيم وجَمال. فَما الذي يؤخّر الدولة كي تباشر بِهذا الْمسح الْحيوي الْملحاح الذي لا يعني البريد وحسب، بل يفيد كذلك مؤسسات الكهرباء والْمياه وسائر إدارات عامة وخاصة في طبيعة عملها إرسالُ طرود أو رسائل أو إنذارات أو تبليغات إلى الْمواطنين؟
شوارع وأحياء مكتظّة؟ مش عذر. أنا مررت في أطراف نيويورك بأحياء ربّما الأشد اكتظاظاً في العالَم، ومع ذلك لكل بناية رقم ولكل شارع رقم فلا يَحتاج القاصد أن يسأل أحداً على الإطلاق، ويظل واصلاً إلى حيث يريد.
ما الذي ينقص حتى تصبح جَميع شوارعنا مرقّمة؟ نشيح عن مطالبتنا بإطلاق أسْماء أعلامنا ومبدعينا على الشوارع (كي لا نقع في مَحظور: “من نَختار من الأسْماء ولِماذا”) ونرضى بالأحرف والأرقام، فليس فيها “توازنات” 6 و6 مكرر وليس فيها مَحسوبيات وكوتا ومُحاصصات.
ماذا ينقص؟ إرادة مسؤول شُجاع ينقذنا من بقائنا في عالَم ثالث متخلّف.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*