السبت 24 آب 2002
– 267 –
حين دعاني الشاعر الأميركي هاورد رينولدز الى حضور “ورشة تأليف في كوخ روبرت فروست” (ميدلبري- فيرمونت 1990) أمضيتُ نصف نَهار فقط، وغادرت غير مؤمنٍ بالعمل “الإبداعي” جَماعياً (بفتح الْجيم)، بل بأنه لا يُمكن أن يكون إلاَّ جُماعياً (بضم الْجيم) كما يكون الْجُماع (بضم الْجيم) حَميماً خاصاً لا شريك ثالثاً فيه.
غير أنني، بعد تَجربتي في سِمبوزيوم “أيام رأْس الْمتْن للرسم والنحت” (“أزرار” الأُسبوع الْماضي) اكتملَت قناعتي بإمكان تنظيم “سِمبوزيوم للأدب والفن” على نَموذج سِمبوزيوم الرسم النحت (رأس الْمتن، عاليه، راشانا، إهدن، جونية،…) بِمعنى “الانغماس الكلي” بضعة أيام، وإطلاع عمل إبداعي فردي (لكل فنان) في جو جَماعي عام (يضم جَميع الفنانين معاً).
كيف يتم ذلك؟ يُمكن (وسأحاول تنفيذه مع زملاء في مُختلف الفنون مِمّن يقتنعون بالفكرة) أن يَجتمع أديب، وكاتب قصة، وكاتب رواية، وكاتب مقال، وكاتب مسرحي، وكاتب تلفزيوني، ومؤلف موسيقي، وشاعر، ومصوّر فوتوغرافي (أو فيديو كذلك)، ورسّام، ونَحّات، وصحافي،… ويذهبوا الى مكان مُعَيَّن (فندق ناءٍ في جبل، دير على تلة أو في واد – كوادي قاديشا- أو منْزل كبيْر يستأْجرونه في قرية جبلية بعيدة عن كل ضوضاء،…) ويتفقوا على نظام عمل صارم حاسم حازم (لقاء على الفطور صباحاً بين السابعة والثامنة، انصراف كل واحد الى غرفته أو زاويته أو عزلته حتى الثانية عشرة ظهراً، لقاء على الغداء لساعتين مع تداول ونقاش، عودة الى الغرف بين الثانية والسادسة، لقاء عشاء يليه نقاش وتبادل كتابات وآراء وأفكار وعرض أحدهم نصه (أو عمله) أمام الآخرين يناقشونه كلٌّ من وجهة اختصاصه، فبلوغ نقطة مشتركة من قراءة نقدية للعمل الْمطروح على شلّة هي الأقرب طبيعياً الى صاحب النص (أو العمل) الْمطروح.
الْموضوع يُمكن أن يكون حراً (يأخذ كل مُشارك موضوعاً يرتاح إليه ويعالِجه (كتابةً أو رسْماً أو موسيقى أو نصاً فنياً،…) أو يتفق الْمجتمعون (في أول السمبوزيوم) على موضوع معيّن (فكرة، حدث راهن في حينه، طرح فكري أو فني أو أدبي أو وطني أو سياحي أو بيئي،…). وقد يكون الْمكان، إذا كان استثنائياً، هو الْموضوع (كما لو كان مثلاً وادي قاديشا أو مكاناً أثرياً أو تاريْخياً أو أثرياً أو طبيعياً مُميَّزاً)، ثم ينصرف الْمجتمعون الى معالَجة الْموضوع الْمتفق عليه، كلٌّ في غرفته أو عزلته أو زاويته التي يَختارها، للعمل في هذا الْجو من “انغماس كلي” يُمكن أن يطول، بِحسب اتفاق الْمجتمعين، من ثلاثة أيام نِهايةِ أسبوعٍ، الى أسبوع كامل وربّما أسبوعين، وفي عزلةٍ تامة كلياً عن الْخارج، بدون لقاء أحد خارج الفريق، وبدون اتصالات هاتفية أو خلوية أو من أي نوعٍ كانت، لتكون الْخلوةُ كاملةً تَماماً كالْخلوات الروحية.
وإذا كانت الْمادة الفنية (الريشة، الإزميل، القلم، الوتر، الكاميرا،…) مُختلفة ولو على موضوع واحد، بيْن تعبير فني وآخر (قصيدة، قصة، رواية، لوحة، سيناريو، مقطوعة موسيقية، منحوتة،…)، فهذا أيضاً غِنَى لعمل فنّي فردي يتم إنتاجه في جو جَماعي يتفاعل فيه تعبير فنّي مع آخر من مادة أخرى، وهذا ما سأطرحه من بعض جوانبه في “أزرار” 268.