247: بالروح… بالدم…

11 نيسان 2002
– 247 –
التحيَّة لـنوايا جَميع الْمثقفيْن اللبنانيين الذين يتنادون منذ أيام الى “الاعتصام” و”التظاهر” و”الوقفات التضامنية” والوقوف أمام كاميْرات التلفزيونات الْمحلية والفضائية والأجنبية يلقون الكلمات والْخُطب وصرخات “بالروح بالـدم” ، “مسائلين” الْحكام العرب ، ومستخدمـين جَميع كلمات “الـتـنـديـد بــ” و”الدعوة إلى” ، لاستنكار حربٍ إجرامية فاشية بربرية وحشية من عدوّ تاريْخي لنا منذ 2000 سنة ، يُمارسُها اليوم في فلسطين الْمحتلّة .
غير أن الاعتصام والتظاهر والتهديد والتنديد والْخطابات وحَمل اليافطات والتلفُّع بالكوفية الفلسطينية ، جَميعها لوحدها فقط ، مظاهر يتمنطق بـها الشارع العربي منذ 1948 حتى باتت جزءاً من الْمشهد العام الذي اعتاده الْحكام العرب (“سبحان خالِقهم”) وألفه اليهود الصهاينة مُحتلُّو أرضنا وتاريْخنا ولم يعودوا يَحسبون له كبيْر حساب .
الْمثقفون اللبنانيون ، هم ، لَهم دور آخر مع التظاهر والاعتصام . أو فلنقل : أكثر من التظاهر والاعتصام .
الْمثقفون (وفيهم الشعراء والأدباء والْمفكّرون والصحافيون والفنانون الْمسرحيون والْموسيقيون والغنائيون وسواهم) دورهم أخطر وذو وقع أعمق على الرأْي العام العالَمي ، حين يَخرجون عن مُجرّد التظاهر والاعتصام وإلقاء الكلمات والشعارات الْحماسية ثم التفرق فيذهب كل واحد الى بيته أو مكتبه أو ارتباطاته أو سهرته أو … مقها ه .
فماذا لو ، بعد التظاهر والاعتصام ، تَجمّع الْمثقفون وقرروا وهب راتب شهر كامل من معاشاتِهم ، ما قد يكفي حليب أطفا لٍ على زنود أمهاتهم في فلسطين؟ (تَحية عالية هنا الى الصديق مرسيل خليفة على بادرته النبيلة) .
وماذا لو ، بعد التظاهر والاعتصام ، تَجمّع الْمثقفون وجَمعوا مئات النصوص يرسلونَها بالبريد الإلكتروني الى البيت الأبيض الذي موظفوه الْمعنيون (وهذه نعرفها من أَيام الْحرب في لبنان) يَحرصون على قراءة كل نص وحده ورفع التقارير بـمضمون النصوص الى الإدارة الأميركية ، حتى لا تظلّ تأْتيها (وكم تأْتيها هذه الأيام) نصوص يهودية إسرائيلية تشكو الضيم والظلم و”العمليات الإرهابية” التي ترعب اليوم الأميركيين حتى العظم وتؤلّب رأيَهم العام ضد الْمقاومة الفلسطينية في فلسطين ؟
وماذا لو ، بعد التظاهر والاعتصام ، تَجمّع الْمثقّفون وجَمعوا مبلغاً من الْما ل كافياً لشراء صفحة إعلان كاملة في “نيويورك تايْمز” أو “لوس أنْجلس تايْمز” أو “واشنطن بوست” (وهي صحف كبْرى تتداولُها شبكات الإنترنت ووكالات الأنباء العالَمية) ينشرون فيها حقائق بالأرقام والصُّوَر والوقائع والإثباتات لإطلاع الرأي العام الأميركي ونشر دعاية مضادَّة لِما يَجهد اليهود يومياً على نشره والتحريض به في هذه الوسائل الإعلامية الكبرى؟
التظاهر والاعتصام ردة فعل . الإعلام الْمضاد فعل . والفعل أقوى وأفعل من ردّة الفعل .
مثقفونا اللبنانيون ، فليُبَرهنوا أنهم أفعل من مشهد اعتاده الرأي العام في الشارع العربي ، ولينتقلوا من ردة الفعل الى فعل يَجعلُهم على مستوى شعب بطولي حرر جنوبه بـمقاومته التاريْخية ، وليكن أمثولة لكل مثقف في العالَم يواجه عدوّاً عاهراً صلفاً يعرف إعلامه الكذَّاب كيف يُحوّل الضحية الى جلاّد .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*