248: اللي خلق… علق

20 آذار 2002
– 248 –
بعد الندوة التي دعت إليها اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو في قصر اليونسكو الأسبوع الْماضي حول “الْمسرح اللبناني في قرن” من خلال كتابيْن مِحوريّيْن: “الْمسرح اللبناني في نصف قرن” لِمحمد كريِّم ، و”الْحركة الْمسرحية في لبنان الستينات والسبعينات” لِخالدة السعيد ، جرى نقاش مع الْمنتدين (مُحمد علي موسى ، ريْمون جبارة ، أنطوان سيف ، جورج طراد ، بإدارة زهيدة درويش جبور) وأُثيْرَت نقطة مفصلية مهمة : هل ينقصنا في لبنان جُمهورٌ يشاهد الْمسرح ، أم مسرح يقصده الْجمهور؟
وجرى النقاش فأصرَّ البعض على أنَّ ما ينقصنا اليوم : مسرحٌ يستقطب جُمهوراً ، بعدما ظهرت أعما ل مسرحية غير قليلة في الآونة الأخيرة نفّرت الْجمهور منها ومن سائر صالات الْمسرح ، مِما عاد بالأذى على رجا ل الْمسرح عندنا حتى خالوا بأن أيّ عمل مسرحي لن يستقطب جُمهوراً .
على مسرح الْمركز الثقافي الروسي (فردان) مسرحية من تلك التي تستقطب جُمهوراً : “اللي خلق علق” ليحيى جابر . وهو صاغَها نصاً بذكاء وفطنة وحبكة وصياغة من الْمستوى الأرفع ، وصاغها سينوغرافيا وإخراجاً بالذكاء نفسه والتوهج نفسه ، حتى لَيُمكن القول إنها بين أفضل ما شاهدنا في السنوات الأخيرة .
فهو بدون تعقيد ، رسم شخصية “يوسف” الباحث عن شخصيته طفلاً وشاباً ومتسكعاً ومناضلاً ومتزوجاً وبوهيمياً ، في مشاهد متداخلة مَحبوكة في تشكيلية مشهدية استخدمت الديكور الأبسط لتستغله الى أقصى آفاقه . وبعد “إبتسم أنت لبناني” أثبت يَحيى جابر أنه كاتب مسرحي متمكّن ، ليس بـِحاجة الى الاقتباس ولا الى التأثر بنص أو بكاتب أو بأسلوب ، بل أخذ من صميم مُجتمعنا شخصيات “ليست من صنع الْخيا ل ” (الداية أم صالِح ، الْحاج اسْماعيل ، مدام أنطوانيت ، الْمعلّم ريْمون ، الْحاجة خدّوج ، أبو حبيب ، أبو نزار ، . . . وطبعاً يوسف بطل الْمسرحية ، الى 39 شخصية تَمر خلال 90 دقيقة العرض في بلاستيكية مسرحية موفّقة نَجح في أدائِها خالد الْسيّد (بالتباس مشهدي مُمتاز) ، وعايدة صبْرا (في تنوُّع أدائي عالي الاحتراف) ويَحيى جابر نفسه ، مِما “شَعْبَنَ” الْخشبة بـ”مَجموعة” مُمثلين عرف النص الذكي كيف يَختصرهم بثلاثة تَمكنوا من أداء “شعب” مُمثلين يقفون على أرضية من النص ثابتة وقوية ومنساقة في انسياب أصيل .
لا أدري إذا كانت الدعاية للمسرحية دون ما تستحق ، لكنها تستحق إعلاماً وإعلاناً واستقطاباً واسعاً لِجمهور عريض حين يشاهدها سيستعيد إيْمانه بـمسرحنا الْجاد (على ما في نص يَحيى جابر من سخرية مقذعة طالت رموزاً تستحق السخرية منها أشد بعد أشد) ومسرحيينا الْجادين الذين أثبت يَحيى جابر أنه في طليعتهم .
لبنان ينقصه جُمهور مسرحي؟ مش صحيح . ينقصه نص مسرحي؟ أبداً . ينقصه مسرحيون؟ كلاّ . بل تنقصه مبادرة شُجاعة تستعيد ثقة جُمهورنا بـمسرحنا ومسرحيينا ، وما أعلى وأرقى أصالتَهم الْمهنية والاحتِرافية .
وعمل يَحيى جابر شاهد دامغ .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*