الخميس 17 كانون الثاني 2002
– 235-
لا لأكتب نقداً عن “متنبي” منصور الرحباني. فمعظم النقد عندنا تنظير فوقي، أو موقف شخصي، أو سرد انطباعي، وليس العمل الرحباني، منذ مطالعه التأسيسية قبل نصف قرن، ليتأثر بهذه الأنواع من نقد أثبت أن أكثر كلامه زال مع زمن الجريدة أو المجلة أو التنظير، فيما يكمل الأثر الرحباني توغله في الزمان من جيل إلى جيل.
سوى أنني، بعدما شاهدت “أبو الطيب المتنبي” (في فورم بيروت)، أكتب لأولياء التلامذة والمدارس عندنا، في كل لبنان، كي يأتوا بِمَن في الصفوف الثانوية من أبنائهم وتلامذتهم، ليختصروا في ما سوى 150 دقيقة ذائقة الشكل والمضمون، ساعات طويلة في الصف والبيت من الشرح عن هذا الشاعر الذي “ملأ الدنيا وشغل الناس”، بتلك الشخصية الغامضة التي كان يتنازعها القلق والطموح والحب والحنين.
فالعرض الرحباني الجديد يختصر لهم سيرة الشاعر الفارس في مراحلها الكبرى، من سيف الدولة في حلب إلى كافور في مصر إلى عضد الدولة في شيراز، ويأخذهم معه إلى تقلبات العصر عليه، ترافدها مع مقتطفات من قصائده المطلوبة في برامج الباكالوريا أو الدارجة أبياتها في إسماعهم لكثرة ما ذهبت أمثلة وعبراً واستشهادات.
وبعيداً عن جوّ الصف الجاف (مهما كانت براعة المعلم في إيصال درسه) يصل إليهم المتنبي شخصية كاملة في عمل يبهجهم سمعياً (بأغنيات وموسيقى جميلة)، ويبهجهم بصرياً (بلوحات كوريغرافية أنيقة ومجاميع متحركة ببراعة وتشكيلية فرحة)، إلى ما يقدم لهم من أضواء على هذه الشخصية التي عرف منصور الرحباني كيف يقدم فيها المتنبي شاعراً يصهره الحب في نسيج قصائده، بعدما لم يبلغنا منه سوى الشخصية الفروسية العنفوانية النبيلة.
وإذا كان المنهج الدراسي يفرض على أولياء المدارس القيام بنشاطات لاصفية، خارج أروقة الصف وصفحات الكتب والتسمر أمام المعلّم واللوح الأخضر أو الأسود، فليس أجدر من مسرحية “أبو الطيب المتنبي” نشاطاً لاصفياً يؤتى بالتلامذة إليه، ثم يساءلون لاحقاً في الصف عن المسرحية في نقاش وحوار يغنيان معرفتهم.
فلماذا لا يقوم أولياء مدارسنا بهذه المبادرات اللاصفية، كي يلقنوا أبناءنا الثقافة مع التربية؟
لماذا لا يبادرون إلى تشكيل لجنة علاقات مشتركة بين المدارس تقوم بتهيئة تلامذتنا إلى نشاطات لاصفية؟
لماذا لا يأتون بالتلامذة دورياً وتباعاً إلى أمسيات الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية، أو في ترتيب نهاري مؤات أكثر، إلى تمارين الأوركسترا النهائية، بعدما أعلن الدكتور وليد غلمية عن السماح للتلامذة بذلك، فيأتون ويراقبون ويستفهمون ويفهمون ويعيشون أجواء فنية قد تغير في مسار أحلامهم وتوجهاتهم المستقبلية؟
لماذا لا يأتون بالتلامذة إلى قصر الأونيسكو (أو أية غاليري أخرى) حيث المعارض التشكيلية تتوالى، فيلتقون الفنان رساماً أو نحاتاً ويحاورونه في الشكل والخطوط والألوان، ويغذون ذائقتهم الفنية الجمالية فتزداد ثقافتهم؟
إن تلامذة ينجحون (مدرسياً) في نهاية العام، لا يبلغون سوى منتصف الطريق.
النصف الآخر يبقى في نشاطات لاصفية هي التي (ثقافياً) تجعل منهم رجالاً جديرين مستقبلاً بقيادة وطن.