236: … وليس بالسياسة وحدها

السبت 26 كانون الثاني 2002
– 236 –
في ندوة نظمتها اللجنة الوطنية للأونيسكو حول “التعاون بين المدارس وسائر المؤسسات التربوية لتحسين نوعية التعليم في لبنان”، افتتحت الندوة راعيتها السيدة بهية الحريري بكلمة أشارت فيها إلى “العدالة التربوية” التي “كان انعدامها بين المناطق والفئات من أهم أسباب الانهيار الكبير الذي دفعنا جميعاً ثمنه غالياً ولم يسلم أحد بيننا من تحمل نتائجه السيئة”.
ومن كلمة الأمينة العامة للجنة الوطنية للأونيسكو السيدة سلوى السنيورة بعاصيري في الندوة نفسها أن “الذعر أصاب السياسيين والتربويين الألمان” لأن ألمانيا “حلّت في المرتبة الخامسة (قبل الأخيرة) بين ثانويات 32 دولة شاركت في مسح عالمي للمهارات، بينت نتائجه أن 265 ألف تلميذ ألماني أخفقوا في اختبار جودة التعليم، وطالما ظنوا أنهم في طليعة رواد هذه الجودة”.
وفي احتفال تكريم مغنية الأوبرا سامية ساندري (دار صادر للثقافة) تحدث الدكتور وليد غلمية عن دور الثقافة عموماً (والموسيقى خصوصاً) في نهضة الشعوب، وقال: “ليس بالسياسة وحدها يحيا الوطن”.
وفي كلمة شهيرة لنيتشه أو “لولا الموسيقى لكانت الحياة غلطة كبيرة”.
الشاهد من كل هذا الأعلاه، أن المواطن اللبناني (عن غريزة فيه من جهة، ومن جهة أخرى عن إذكاء متعمّد يمارسه عليه السياسيون) بات كأنه فأر اختبار سياسي، تُجري عليه اختبارات الفعل وردود الفعل، كما يجري رجل العلم في مختبره تجاره على الفئران فيستخلص ردوداً ونتائج. وهذا بالفعل ما يحصل حين يلهف المواطنون (في معظمهم، لأن المتنورين أشاحوا من زمان عن متابعة أخبار سياسيينا) فيتسمرون أمام شاشات التلفزيونات وصفحات الصحف يتابعون أخبار السياسسن: من حرد ومن زعل ومن رضي ومن صرح ومن قال ومن اعتكف ومن هاجم ومن أجاب ومن اتهم ومن رد التهمة، حتى بات سياسيون، من غير شر، نجوم السهرات والاجتماعات والجلسات يتحدث عنهم الناس مؤيدين أو مناهضين أو مناوئين أو أنصاراً، وحتى لم يعد لمعظم المواطنين اللبنانيين من هموم وأحاديث ومشاغل ومواضيع إلا سياسيونا وتحركاتهم وتصريحاتهم، فيها الدول تتقدم وتتطور وينشغل مواطنوها بمواضيع أهم وأرقى وأعمق كالثقافة والتعليم والبيئة والعلوم وما إليها.
أمضيت ست سنوات في الولايات المتحدة، ولم أجتمع مرة واحدة باثنين وجدتهما يتحدثان في السياسة أو تحركات هذا الرئيس أو أسفار هذا الوزير أو تصريحات هذا السناتور أو تلك المسؤول. الناس في اشغالهم والسياسيون في أشغالهم، من دون أن يكونوا نجوم أحاديث المواطنين.
تعاستنا أننا في هذا العالم الثالث والثلاثين، وأن معظم شعوبنا فئران مختبرات، فلا عجب أن يصيبنا أسوأ ما أصاب ألمانيا في المسح العالمي، أن تضيع في الصدى صرخة وليد غلمية أن “ليس بالسياسة وحدها يحيا الوطن”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*