السبت 12 كانون الثاني 2002
– 234-
وسط انشغالنا، هذه الأيام، بالعمل على جمع الفنانين تحت مظلة واحدة في نقابة موحدة تضم جميع القطاعات الفنية، مع الاحتفاظ بخصوصية كل قطاع وحصته ونسبة تمثيله، وفيما نعقد اجتماعات دورية مع لجنة الإدارة والعدل النيابية (بما فيها من مرجعية تشريعية، ومن فيها من خبراء ضليعين)، وقع بين يدي نص كتاب كان مرجع حكومي كبير أرسله قبل أعوام إلى المجلس النيابي، يرفض فيه موافقة الحكومة على “اقتراح قانون يرمي إلى إنشاء نقابة موحدة للفنانين، وإنشاء صندوق تعاضدي لهم”.
أما صندوق التعاضد، فلم يكن المرجع الحكومي في حاجة إلى رفضه أو قبوله لأنه كان قد تأسس قبل أشهر من وضع نص ذاك الكتاب، وبدأ يستفيد منه الفنانون ولا يزالون حتى اليوم يتزايدون في الانضمام إليه، يغنمون من تقديماته فيستشفون ويتطببون ولا يدفعون قرشاً واحداً لأن الصندوق يتكفل بكامل مصاريفهم حتى آخر العمر.
ولم يكن نص الكتاب ليزعج أحداً (على عادة نصوص الدولة) لولا ورود فقرة مهينة حددت تبرير رفض الحكومة (تلك الحكومة يومها) بأن “مهن الفنون المشهدية لا تنعكس على الصالح العام، ولا ترتبط بالمرفق العام. وبما أن الفن موهبة قبل أن يكون دراسة، والمواهب افنية لا تحتاج بالضرورة إلى شهادات، فيجب ألا تكون الشهادة شرطاً لمزاولة الفن. لذلك يفتقر اقتراح القانون إلى المبررات التي تسوغ السير به”.
هكذا إذن، الفن لا ينعكس على الصالح العام؟ وما هو إذن؟ “مازة” على مائدة مطعم؟ أو ترف إضافي يمكن الاستغناء عنه؟ والفنان الموهوب لا يحتاج إلى دراسة؟ فلنقفل إذن جميع الكليات ومعاهد الفنون في جامعاتنا ولنقل لطلابنا: أنتم موهوبون وكفى، إذهبوا ومارسوا فنونكم على الفطرة فلا حاجة بكم إلى شهادات!
وتستطرد عبقرية “هيئة التشريع والاستشارات” (صاحبة النص الذي تبناه المرجع الحومي الكبير ومهره بتوقيعه وأعاده مرفضواً إلى مجلس النواب) فتستند في النص إلى “وزارة العمل ودراستها المستندات العائدة لهذا المشروع…” مما يعني أن الدولة “جيّرت” الموضوع إلى وزارة العمل الموجلة (تلقائياً) شؤون العمال.
ومن المصادفات السعيدة في الاجتماع الأخير أن يكون معنا المدير العام الجديد لوزارة الثقافة القاضي الرئيس أندريه صادر الذي أفتى بدراسة الموضوع تحت مجهر الثقافة (لا العمل) فأوكل إليه النواب أعضاء لجنة الإدارة والعدل أمر نقل الملف إلى وزارة الثقافة لكونها (هي لا وزارة العمل) المولجة برعاية شؤون الفنانين.
وبهذا ينتقل الفنان إلى مرجعه الطبيعي (في وزارة الثقافة) ويخرج من “منطوق” قوانين وتشريعات وزارة العمل التي (هي كهيكلية لا من فيها من مسؤولين يعملون بحسب الأصول القانونية) كانت تتعاطى حتى اليوم مع الفنان كـ”أجير”، مثله مثل عامل الفرن والمصنع والدباغة ومعامل الصابون والألسبة الداخلية.
إن دولة تعامل الفنان كـ”أجير” في الفرن، تحترق هي بنار هذا الفرن، ويخرج منها الفنان رغيفاً ضرورياً لذاكرة التاريخ، وخبز “الصالح العام” الذي قررت عنه الدولة أن اهتماماته محصورة بها ولا تشمل الفن والفنانين.