الجمعة 21 كانون الأول 2001
– 231-
المؤتمر الدولي (“كما حنين كما حنين”) الذي دعت إليه مدرسة الترجمة بيروت في جامعة القديس يوسف (اشتراكاً مع معهد سرفنتس في بيروت) لعلّه من المفاصل الرئيسية لحياتنا الأدبية في مطلع هذا القرن.
فمساهمات المتداخلين (وجميعهم كم كبار الخبراء في الميدان) حول “المؤلف وجهاً لوجه مع المترجم”، في علاقة “زوجية” تامة، طرحت الترجمة لا كـ(مجرد) عملية “نقل أمين لغة إلى لغة” بل كـ”عملية إبداعية في ذاتها، كتابة جديدة لقارئ جديد”. بعد هذا المؤتمر الممتاز (وإن تكن هذه الجدلية غير جديدة) بات واضحاً أن الترجمة (ولمدرسة الترجمة بيروت تراث بات عالي القيمة والنتيجة الفكرية والحصيلة الميدانية) هي عملية مستقلة (حتى عن المؤلف الأصلي نفسه) لأنها تعتمد التشريح قبل براعة القاموس، وتتوغل عميقاً حتى ترجمة المفاصل والإيقاع والنسيج الأصلي والنسغ التأليفي، وترجمة الإيقاع الأصلي بإيقاع جيد، لتخرج بنص جديد، جمالي حتى ليتشهاه المؤلف في لغته الأصلية. وهنا لا تعود الترجمة مجرد “نص مقابل” النص الأصلي، بل تصبح عملية تأليفية في اللغة الأخرى، لأنها لا تنقل المفردات بل تصوغ لنفسها الزمن والأفعال والأسماء والمفاصل، وقد تترجم البياض والصمت والصوت في النص الأصلي فيلبس هذا حلة أخرى قد تأتي أجمل في النص المترجم. هنا لا نعود أمام نسخة في لغة أخرى (أو تفسير في لغة جيدة) بل أمام “علاقة” مع لغة جديدة: هل نحن نترجم الصورة أم اللفظة؟ وإذا كانت للفظة لغة، فهل للصورة لغة؟
ومن أفكار المؤتمر أن الأدب صناعة لكن الترجمة صناعة حاذقة، وأن المترجم ليس شريك المؤلف لكنه شريك في التأليف، من هنا أن النص الجديد هو من صنع المترجم وإن يكن النص الأصلي ليس له. وإذا كان المؤلف هو الذات فالمترجم هو الآخر، ولا بد للآخر من الذات، كما لا غنى للذات عن الآخر.
هكذا يتدفق شلال أسئلة لن يتوقف: هل اللغة (عند المؤلف أو المترجم) غاية أم وسيلة؟ وما مسافة الفروقات (لكتابة النص أو لترجمته) بين المضمون واللغة، بين الصورة واللفظة، بين الفكرة والأسلوب؟ وهل الترجمة “كتابة جديدة” أم قراءة جديدة للنص الأول مكتوبة باللغة الأخرى؟ هل الترجمة نقل البصمة أم هي بصمة جديدة أم هي بصمة مشاركة أم هي بصمة شبيهة؟ هل الترجمة كتابة جديدة أم هي إعادة كتابة؟ وهل هي تفكيك الثوب الأصلي وإعادة تركيبه في “خياطة” جديدة، أم هي “تفصيل جديد” لثوب موجود في تفصيل آخر؟ وهل الترجمة لغة ثالثة (بعد المترجم منها والمترجم إليها؟).
عند نهاية المؤتمر (ثلاثة أيام) قال لي مدير مدرسة الترجمة الدكتور هنري عويس أن محاضرات المؤتمر (وما تخللها من مناقشات ومداخلات) ستصدر في كتاب.
ننتظر هذا الكتاب مرجعاً في مكتباتنا.