الخميس 13 كانون الأول 2001
– 230 –
الأحد الماضي (9 كانون الأول) بلغت الثالثة والخمسين.
قد لا يهم أحداً هذا الأمر، وربما يهم الذين (مثلي) يعتكفون يوم ميلادهم في خلوة يراجعون بها حصاد البيدر مما مضى، وكيف الذي يأتي يجب أن يأتي.
لم أنظر في تلك الخلوة إلى ما سيأتي، من منظار أن “لم يبقَ من العمر أكثر مما مضى”. أبداً. فحبر مقالي الأسبوع الماضي (“أزرار” 229- “نهار الخميس 6 كانون الأول) لم يجف بعد حول كبيرنا نقولا زيادة الذي ذهبنا نحتفل معه بعيده الرابع والتسعين يخبرنا عن مشاريع أدبية ينوي تحقيقها في السنوات المقبلة.
في هذا السياق أشكر الله على نعمة سنوات منحنيها حتى اليوم، بإزاء من غابوا من أهل القلم قبل هذه السن وانقصفوا في عز الربيع (فؤاد سليمان في التاسعة والثلاثين، أبو شبكة في الثالثة والأربعين، أنطون قازان في السادسة والأربعين، جبران في الثامنة والأربعين) فأجدني أحمل مسؤولية أن أرضي الله في نتاج يوازي ما مدّني به من عمر.
بعد عودتي (1994) من “المنأى الموت” (بحيرة الليمون- فلوريدا) بقيت طويلاً في حالة انعدام الوزن، أبحث عن حيز يمكنني فيه أن أحقق ما أراه واجباً مني لبلادي التي تحتاج كل بادرة منا كي تنهض من عثرة ضربت تاريخها الحديث بكل ما فيه من أعمال وأعلام و…ذاكرة لبنانية.
وما قمت به حتى اليوم (معظمه عبر “الأوديسيه”) لجنة ومجلة ونشاطات، تعامل مع الأعمال (إبرازاً) والإعلام (استذكاراً أو تكريماً) لكنه لم يتعامل مع الذاكرة اللبنانية الجماعية. بقي في حيز عمل فردي يعود رصيده (إجمالاً) إلى صاحبه الفرد أو أصحابه الجماعة، لا إلى ذاكرة البلاد الجماعية.
كان لا بد إذا من تحقيق عمل، بعد الثالثة والخمسين، يعود رصيده إلى بلادي وذاكرتها لا إلى رصيدي الفردي. وهو ما (أخيراً وبعد طول مخاض) تحقق في ولادة “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية- الأميركية، وهو المشروع الذي أعمل عليه مع رئاسة الجامعة منذ نحو عامين.
“مركز التراث اللبناني” (ولو أنصفت لسميته “بيت الذاكرة اللبنانية”) سيكون ذاكرة الإبداع اللبناني: مكتوبه، منشوره، مخطوطه، وثائقه، سجلاته، تراثه في كل حقل (أدبي، موسيقي، مسرحي، تشكيلي، تاريخي، أثري…) وهو ما سنكشف عنه نهار إطلاق “المركز” في رئاسة الجامعة ظهر الاثنين 7 كانون الثاني المقبل.
“تراثنا الوطني (بحاضره وماضيه) ذاكرة للبنان المستقبل”! بهذا الشعار سينطلق “المركز” كي يلملم عطاءات لبنان واللبنانيين (في جميع لغات العالم) لتضمها “مكتبة جبران” في الجامعة اللبنانية الأميركية (بيبلوس) ذخراً لا يضاهي لأبنائنا وأحفادنا، فيحفظون عنا أننا حفظنا لهم ذاكرة لتاريخ لبنان الإنساني.
في يوم ميلادي الثالث والخمسين، شكراً يا رب على نعمتيك: نعمة حب بقيت أنتظره أول خمسين سنة من عمري، ونعمة أن أكون، من موقعي الفردي وبثقة جامعة كبرى، خادم الذاكرة الجماعية للإبداع في بلادي.