الخميس 29 تشرين الثاني 2001
– 228 –
كان لا بدّ من نضال الأشقر لتأسيس “مسرح المدينة”، مغامرة شجاعة في عصر الركود المسرحي.
وكان لا بد من نضال الأشقر لنسج “كلمات تعشق النغم”، احتفالية شعرية لم تمسرح الشعر بالطريقة الأفقية، بل دخلت في عمق الإيقاع الشعري واستولدته إيقاعاً نغمياً أضفى عليه شاعرية وأضاف إليه بعداً سمعياً كم يحتاجه لبلوغ المتلقي حين يحجم هذا عن القراءة إلى السماع.
الـ”عرض الموسيقي الارتجالي” (كما سمّته نضال) لم يكن ارتجالياً قط، بل منسوجاً في مونتاج رائع (هو في ذاته مستقل بحضوره) وفي إخراج عالي الاحتراف، جعلا النص الشعري يبلغ منتهاه في قلوب جمهور وجد في الأمسية سهرة شعرية طربية جمالية في آن واحد.
باقة من أصفى الشعر تهدى إلى جمهور ثقيف (تم تقديم العرض في دبي وباريس وعواصم ومدن أخرى) وهو يغني لمجد لبنان، لمجد بيروت، للأرض المحتلة، وللحب أولاً وأخيراً وبين بين.
باقة من أعذب شعر أنسي الحاج، محمد الفيتوري، ناديا تويني، نزار قباني، سعاد الصباح، الأخطل الصغير، محمود درويش، أدونيس، بلند الحيدري، خليل حاوي، محمد مهدي الجواهري، لميعة عباس عمارة، فدوى طوقان، نازك الملائكة، سعيد عقل، بدر شاكر السياب، محمد الماغوط، الحلاج، رابعة العدوية، غسان مطر، توفيق زيادة، سميح القاسم…
باقة من أجمل الشعر، كلاسيكيه ومعاصره، من الوزن إلى النشر، جمع بين مقطوعاتها نسغ موسيقي وتطريبي من دندنات جاهدة وهبه وتصويتها وتطريبها وتجويدها بصوتها الواسع الواثق المثقف، وإلقاء جاهد الأندري الرصين الممتاز، وقراءة رندة الأسمر الآتية من الأداء المسرحي الأكيد، ومشاركة خالد العبدالله بصوته الطربي العميق وعزفه الشاعري على عود ساحر، ومداخلات محمد عقيل غناء وإيقاعاً في دعم صوتي وإيقاعي جيد جداً، إلى حضور نضال الأشقر الآسرة القراءة والأداء والإحساس وقيادة أوركسترا القراءات في ضبط مذهل، دقة وتوقيتاً، مما جعل الأمسية تتنافس فيها اللحظة الشعرية مع اللحظة الموسيقية مع الطرب والتجويد.
“كلمات تعشق النغم” ليست احتفالية تعبر، ولا أمسية من مجموعة نحضرها ونمضي… الجمهور اللبناني مطلوب منه عدم تفويت هذه الأمسية: عائلات، وتلامذة مدارس، وطلاب جامعات، وأعضاء مؤسسات وجمعيات ونواد ثقافية، فليقبلوا جميعاً عليها، هذه الإنسادية الشعرية الموسيقية الطربية التي هي متعة حية للذائقة الجمالية.
وأكثر: مطلوب من نضال الأشقر، بما بلغناه اليوم من تكنولوجيا، ألا تترك هذه الاحتفالية الرائعة مقتصرة على خشبة “مشرح المدينة”، بل أن تعمد إلى توثيقها بالأوديو (كاسيت، سي.دي.) والفيديو (شريط)، والكومبيوتر (سي.دي.روم) لتبقى في ذاكرة لبنان شاهداً أن الشعر دوماً في عافية حين نقدمه إلى الناس كما به يليق.
ولكي يليق به هكذا، كان لا بد من نضال الأشقر.