11 تشرين الأول 2001
– 222-
المؤتمر الدولي المميز الذي نظمته “اللجنة الوطنية للأونسكو” طوال الأيام الثلاثة الماضية (البريستول: 8-10 الجاري) حول “أخلاقيات العلم والتكنولوجيا” جاء صحوة عميقة وسط فترة نشهد فيها ترجمة لتلك “الأخلاقيات” ميدانية جيوسياسية وسوسيوعسكرية تلف العالم اليوم في حرب نعرف أنها بدأت ولا نعرف كيف تنتهي ومتى وأين، وكل ارتكازها على العلم والتكنولوجيا لكننا لا نعرف إلى أي مدى ترتكز على “أخلاقياتهما”.
عالج المؤتمر حدود أخلاقيات العلم وما تتضمن منحرية في توجيه مساره، وأخلاقيات التكنولوجيا وما تتضمن من مسؤولية في استخدامها لخير البشرية بإزاء ما نعانيه في الموقف الدولي من القضايا الراهنة المطروحة.
يهمنا من المؤتمر، بين كثير الفائدة في جلساته، جلستان خصصهما لأخلاقيات المعلومات (مجتمع المعلومات بين الافتراضي والواقع، والفضاء السيـبـيري وسبل الوصول إلى المعلومات) جاءتا غنيتين بما عالجتا من حرية الإعلام ومسؤولية الالتزام برصد ما يجب أن يصل إلى المتلقي، وتقصي الحقيقة من مصادر المعلومات حتى ولو كانت هذه مأخوذة من شبكة الإنترنت وما فيها من تضليل مرة وإخفاء مرة، و”عولَمة إحادية مدسوسة مرات (وهنا أدعو إلى قراءة مقال الدكتور مروان أبو لطيف في “نهار” أمس عن الفرق بين “العولمة” و”الأمركة”).
وتأتي معالجات المؤتمر (والتهنئة لـ”اللجنة الوطنية للأونسكو” مرتين: أولى على أهمية المؤتمر والمؤتمرين اللبنانيين والأجانب، والأخرى على عدم تأجيلها إياه رغم الظروف الراهنة) إبان فترة يمر لبنان فيها في مخاض صعب وتالياً هو في حاجة إلى تبيان المواضيع العميقة والمهمة التي عالجها المؤتمر في أكاديمية عالية.
ولأنه كذلك، تمنيت لو أن عدداً من سياسيينا وقادتنا وحكامنا حضروا جلسات هذا المؤتمر، أو بعضها، ليروا أية سطحية هم يطفون عليها بإزاء خبراء وعلماء جاؤونا من العالم (فرنسا، كندا، إيران، بلجيكا، هولندا، النروج)، رؤوسهم ممتلئة علماً وأكاديمية وعمقاً بقدر ما هي ممتلئة تواضعاً ودماثة وحواراً، إذاً لكانوا (بعض سياسيينا لو حضروا) تصرفوا وفق أخلاقيات المسؤولية المطلوبة منهم، وقدموا لهذا الوطن ما يوفر على شبابه الهجرة- آه الهجرة- هذه الآفة التي تقضم ربيع لبنان، وتجعل فجره مغيباً، وشبابه كهولة، ومستقبله في مهب الأنواء.
فمما سمعناه مثلاً (في جلسة تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والأبحاث العلمية) إن في موازنة الدولة واحداً في المئة للأبحاث العلمية لم تصل هذه السنة إلا إلى 0.03 في المئة لأن باحثينا هاجروا، ومن نسبة 24 في المئة لمشاريع البحث في الكيمياء لم يتقدم هذه السنة سوى واحدة في المئة بسبب فقدان المختبرات عندنا وهجرة خبرائنا الكيميائيين.
هذا لنشعر كم نحن في قعر البئر والبلدان تتقدم في الفضاء (السيـبـيري والخارجي) الواسع، وسياسيونا لاهون ببرامج الـ”توك شو” السياسية يتناطحون فيها ويتناهشون بمعايير ضيقة ومسائل هامشية ومواضيع محلية صغيرة، والفضائيات تنقل إلى العالم الواسع أميتهم وعقمهم وطاووسيتهم يقعقرون متوهمين أنهم يشاركون في صنع سياسة العالم.