الاثنين 22 تشرين الأول 2001
– 223-
انشغالنا بـ”التطورات الإقليمية والدولية”، وقلقنا على “هبة باردة هبة ساخنة”حول منطقتنا وبلادنا ومحيطنا من مصادر البنتاغون والناطقين الرسميين باسم أصحاب القرار في البيت الأبيض، يجب ألا يشغلانا عن أمور داخلية محلية، قد تبدو للبعض بسيطة و”ساذجة” في إثارتها الآن، و”مش وقتها” وسط ما يتغير في العالم.
إذا كان الإرهاب هو الفراغ من القيم والأخلاق والسلوك والمناقبية، فإن انتهاك القيم والمناقبية السلوكية والأخلاق المدنية (وهي مهمة بقدر الأخلاق الإنسانية) هو، بشكل من الأشكال، تواطؤ مع الإرهاب ولو على مقياس مختلف، ولو على معيار ضئيل جنيني إذا كبر وتنامى وتفشى في الفرد ثم في الجامعة ثم في المجتمع لا بد أن يؤدي إلى مساحة تخريبية لا يردعها رادع لأن هذا يكون قد زال مع فقدان الرادع الوازع منذ البداية.
من هذه التجاوزات (البسيطة و”الساذجة” والبدائية) عبور التقاطع على الضوء الأحمر. هل أبسط من هذا؟ وهل احترام لقوانين السير (وتالياً للسلامة العامة) أقل من هذا؟ والشاهد ليس “فعل” العبور على الضوء الأحمر، بل ما يمكن أن ينجم عن هذا العبور من حادث صدم أو دهس يودي بحياة إنسان وربما أكثر (حادث سير واحد في شمسطار أودى الأحد الماضي بحياة مواطنين دفعة واحدة).
فالشاهد إذا ليس “الفعل” الحاصل، بل نفسية لاأخلاقية تدفع السائق إلى عبور الطريق على الضوء الأحمر، مما يشير إلى غريزة حيوانية فيه تدفعه إلى الشر والمخالفة وعدم احترام القانون (والأخطر: عدم احترام حياة الآخر)، وهذه هي النطفة التي متى كبرت في نفسية الفرد أدت به إلى ارتكابات أكبر ومخالفات أفظع قد تصل إلى القتل أو الاغتيال أو أية جناية منكرة أخرى.
ولا مشهد أشد قرفاً وإثارة للغضب واللعنة والشتيمة، من سائق أرعن وقح بلا أخلاق يرى السيارات واقفة على الضوء الأحمر فيكمل طريقه بكل صلافة ووقاحة، أو يصل إلى التقاطع ويرى الضوء الأحمر فيستمر في اندفاعه بدون أي إبطاء أو محاولة توقف، غير مدرك ما يلحق به من لعنة المواطنين الذين يرونه أو يكونون متوقفين على الإشارة الحمراء.
وقد يكون هذا سائق تاكسي أو باص أو شاحنة أو حتى سيارة سياحية (أحياناً فخمة وتلمع من كثرة الغسيل) مما يشير إلى قلة أخلاق مواطن (بسبب غياب الرادع القاسي والصارم من شرطة السير) تنقصه أخلاقية المواطنية الصالحة واحترام القانون. فهل يصدر وزير الداخلية قراراً بمحضر ضبط “ساخن وقاس” لهذه المخالفة؟
إن الحفاظ على الوطن (والوطن غير الدولة التي يريدها المواطن خادمة عنده تلبي جميع طلباته وهو ليس مستعداً ليعطيها أقل واجباته نحوها) لا يكون بالأغاني والشعارات الشعرية والفنية والغنائية والتنظيرية، بل يكون في احترام أبسط حقوق الآخرين، ومنها حقهم في العبور على التقاطع عند الضوء الأخضر بلا خطر أن يصدمهم سائق أرعن وقح بلا أخلاق المعبر أو التقاطع أو الطريق على الضوء الأحمر.