210: إلى علياء الصلح

الخميس 25 تموز 2001
– 210 –
لن أرحب بك عائدة إلى لبنان بعد غياب 18 عاماً، فليس من يرحب بعلياء الصلح في وطنها، وليس لنا أن نفرح – مجرد نفرح – بخبر “النهار” (16 تموز) أنها عادت “لتبقى”. فعودة علياء رياض الصلح خير وعافية.
غير أنني يا سيدتي قرأت بتفكير طوباوي (كتفكيرك العالي الطوباوية) مقالك الأخير “إلى فتى مهاجر” (“نهار” الاثنين 10 تموز) وتخيلتك تتحدثين إلى ابني “الفتى المهاجر” الذي هجّ بعد زيارته الأخيرة إلى لبنان مقسماً ألا يعود “أزرار 183- “نهار 4/1/2001: “لا تنتظرني بعد اليوم في لبنان”، و”أزرار” 184- “نهار 12/1/2001: “كي لا يهاجر أبناؤكم أيضاً”. وتمالكت عيني من البكاء وقلبي من الإجهاش، يا سيدتي، وأنا أقرأ مقالك/الصدمة.
ذلك أن لبنان الذي تتحدثين عنه، والذي ليس به كفر ابني، هو لبنان الوطن (الأهل والشعب والأرض والتراث والإرث الحضاري العظيم)، بينما الذي حال دون مجيئك منذ 18 عاماً، والذي به كفر ابني، هو لبنان الدولة التي ما زالت “تتَمَزْرَعْ” في الوطن منذ أجيال، والتي لا بد أنها صدمتك فور عودتك بما يفوح منها اليوم من روائح وفضائح وتشاتم وتكاذب وتبادل اتهامات وإطلاق تصريحات وتناطح بين السياسيين في برامج الـ”توك شو” السياسية التي تنشر قرفهم وسخفهم على العالم عبر الفضائيات التي لم تعد تستر عيباً.
حبذا، يا سيدتي، لو كان لبنان الدولة مثل لبنان الوطن، من هنا أن لبنان من بعيد، من حيث كنت أنت، ومن حيث هو ابني، ومن حيث كنت أنا قبل أن أعود نهائياً إلى لبنان، هو أجمل بكثير مما هو من قريب، من الداخل، ومقالاتي لـ”النهار” من المنأى المؤقت” (بحيرة الليمون- فلوريدا) تشهد على الذي كان ينهشني حتى أدرت ظهري لأميركا نهائياً وجئت أقبل تراب لبنان “لأبقى” (كما أنت عدت كي “تبقي”) ولست نادماً – صدقيني – لست نادماً ولن أندم، ولست محبطاً وليس في الدنيا قوة تستطيع أن تحبطني وأنا في وطني بكل إيماني.
غير أن الحالة التي أبعدتك 18 عاماً، وأبعدت ابني نهائياً، ولن تستطيع نهائياً بعد اليوم أن تبعدني عن وطني مهما حصل، هي حالة أن الكرامة في الغربة وطن، وفقدان الكرامة في الوطن غربة. وبـ”الكرامة” أقصد العيش الكريم، وتأمين المستقبل، وبلوغ الحقوق وسداد الواجبات، وخصوصاً، خصوصاً: الشعور بسقف الدولة يحمي المواطنين سواسية، وأن يكون مسؤولو الدولة حماة حقيقيين لا تفوح من أسمائهم فضائح فواتير الكهرباء.
كيف يمكن أن يسوس الدولة، يا سيدتي، من تطالعنا الصحف بأسمائهم، فترة بعد فترة، بفضائح وتصريحات وأخبار عن تجاوزاتهم واستزلامهم واستسلامهم، وليس من يحاسبهم وليس من يوقفهم وليس من يردعهم، والشعب رازح صابر لا يملك إلا أن يكيل لهم الشتائم من أقوى عيار كلما أطلّت وجوههم على شاشات التلفزيون؟
دولة أو لا دولة: هذه هي المسألة. دولة رياض الصلح أو دولة علي بابا: هذه هي المسألة.
وطن الذين استشهدوا كي يعادل لبنان الدولة لبنان الوطن، أم وطن الذي قال يوماً بكل غضب وقرف: “لكم لبنانكم ولي لبناني” وألأدار وجهه صوب جاره تمثال الحرية في نيويورك ولم يعد إلى هذه البلاد إلا جثماناً؟
هذه هي المسألة يا سيدة علياء، يا سيدتي، يا سيدة العائدات، وانطلاقاً منها نقبل جبينك العالي ونتمنى لك بيننا طيب الإقامة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*