الخميس 14 حزيران 2001
– 205 –
شكراً لوزير الداخلية الياس المر الذي، من أول دخوله وزارة الداخلية، يحاول أن “يفرض” النظام.
وشكراً له على قراره الإلزامي وضع حزام الأمان عند القيادة، وشبابُنا في شرطة السير يحزمون أمرهم في هذا الشأن، مرّة بكل لطف حين يقفون السيارات، ومرات بمحاضر مخالفة، وفي الحالتين بدأوا يطبقون القرار.
غير أن في شبابنا ومواطنينا من يتلّذذون بمخالفة النظام، عن لذة مازوشية أو عن مرض نفسي، فيجدون في المخالفة متعة (!) قد تعادل أية لذة أو متعة أخرى ليدهم. أو أنهم، ببساطة، لم يشعروا بهيبة الدولة بعد، في الإصلاح (الإداري كما سواه) حتى يرعووا ويضبطوا. وهذه مشكلة المشاكل في “الأخلاق” المدنية عند بعض المواطنين.
من هنا أننا، بعد نجاح فرض حزام الأمان، تلزمنا حملة إعلامية عامة وزجرية قاسية، لفرض “حزام الأخلاق”. أخلاق السرعة الجنونية التي لم يكتو مخالفوها، حتى اليوم، بمبلغ مرتفع لمحضر الضبط، أو بمن يردعهم. أخلاق قيادة السيارة زيكزتكياً بين السيارات في ما يطنونه بهلوانية لافتة فيما هي خطورة على السلامة العامة، ويزدادون يوماً فيوماً لأنهم مدركون أن ليس من يردعهم. أخلاق من يقودون دراجاتهم النارية على دولاب واحد (الخلفي) فيصيبون الذين حولهم بالرعب والهلع، عدا ما يثيرون من تقزز واشمئزاز وقرف لجعير دراجاتهم وعريرها وخاصة في الليل بين البيوت، ويوغلون في ثقل دمهم لأنهم يعرفون أن ليس من يردعهم. أخلاق من يأتون عكس السير، ويفرضون بكل وقاحة على المتجهين في السير الصحيح أن يرجعوا أو يتراجعوا حتى يمر هؤلاء المخالفون الوقحون لأنهم يعرفون أن ليس من يردعهم. أخلاق من يوقفون سياراتهم في الأماكن الممنوعة أو في مواقف خاصة لها أصحاب ويغادرون السيارات لأنهم يعرفون أن ليس من يردعهم. أخلاق الذين يتوقفون عند أرصفة عريضة (يستخدمها هواة السير والجري) فيفتحون أبواب سياراتهم، نهاراً وخاصة ليلاً، ويجعلون أجهزة الراديو في سياراتهم تزعق بأعلى الصوت وتنشر في المحيط موسيقى وأغاني مزعجة ذات إيقاعات تضرب على عضلة القلب فيما هم على الجانب الآخر من الرصيف يضحكون ويمرحون و”يؤركلون” بكل ارتياح لأنهم يعرفون أن ليس من يردعهم. أخلاق الوقحين قليلي الأخلاق والضمير والمواطنية، الذين يجتازون الضوء الأحمر أو يزمرون للواقفين عند الإشارة الحمراء كي يفسحوا أمامهم ليمروا ولو على الضوء الأحمر لأنهم مرتاحون إلى أن ليس من يردعهم.
هذه حالات قليلة من كثيرة تصادفنا على الطرقات، مما يجعل السائح (السائح!) ينفر من المجيء إلى بلد باتت طرقاته غابات مهجورة مخيفة يتعرض فيها لمختلف أنواع الخطر، فيحمل حقيبته ويستقل أول سيارة توصله إلى مطار بيروت، مقسماً بجميع الأنبياء ألا يعود إلى بلد ليس فيه ضابط رادع يوفّر السلامة العامة على الطرقات العامة.
أعرف أن ليس باستطاعة الصديق الياس المر أن يوقف بوليساً عند كل مفرق أو ناصية، ولا أن يفرض الأخلاق على من هم بلا أخلاق وبلا توعية مدنية ومواطنية، ولكن الحزم لا يكون بالتراضي بل الفرض، فليفرض شرطيو السير حزمهم، ليعيدوا إلى الدولة هيبة فقدتها فقدت المقومات الإصلاحية الأولى لبناء الدولة.