الخميس 21 حزيران 2001
– 206 –
كان يمكن أن يكون هذا النداء إلى فخامة الرئيس فقط، أو دولة رئيس الحكومة فقط، أو معالي وزير الثقافة فقط. لكن معرفتي بأهمية الموضوع على الصعيد الشخصي لدى فخامة الرئيس ودولة الرئيس ومعالي الوزير، جعلتني أوجه هذا الكلام النداء، هذا الكتاب المفتوح، إلى ثلاثتهم معاً.
فيا أصحاب الفخامة والدولة والمعالي: لم يتح لكم وقتكم حضور حفلة من حفلات الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية أو الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، هذه الحفلات التي أسست لجمهور لبناني يتسع حفلة بعد حفلة، ويزداد إقبالاً أمسية بعد أمسية، متتبعاً، متذوقاً، صاقلاً رهافته وذوقه وإحساسه، متنقلاً مع الأوركسترا من مكان إلى مكان، لهيفاً إلى حضور عروضها الموسيقية التي تنضج معها ثقافته الموسيقية وتتعمق.
غير أن من تسنّى له، مثلي، أن يشهد التضحيرات التي تسبق العرض، من تفريغ الشاحنة الكبيرة وتحضير المنصة وإعداد حاملات النوطات وتركيز بروجكتورات الإضاءة وتأمين هندسة الصوت ودودنة البيانو (كل حفلة مرة جديدة) وخضخضة البيانو والآلات النفيسة في تفريغها وتركيزها وإعادة فكفكتها ووضعها في صناديق لحملها إلى الشاحنة وتفريغ الصناديق في الكونسرفاتوار من جديد، استعداداً لتحميل كل شيء من جديد إلى مكان آخر لإقامة الحفلة التالية، وما في هذه العمليات منجهد بشري للتحميل والتركيب ثم إعادة الفك والنقل والتركيب وخطورة التلف والكسر والتحطيم والأعطال وما يترتب على كل ذلك من مصاريف هائلة للحفلة الواحدة… جميعها تستوجب هذه الصرخة المذعورة الغاضبة الواحدة: لماذا على أوركسترانا الوطنية أن تعاني كل هذا التشرّد من مكان إلى مكان؟ لماذا عليها أن تكون مثل البدو الرحّل تركض منمكان إلى مكان لتحط رحالها ساعات ثمّ تعود إلى الكونسرفاتوار كي تعود فتتشرّد من جديد إلى مكان آخر في الحفلة التالية؟ لماذا عليها أن تجري تمارينها في مكان ثمّ تهرع إلى مكان آخر كي تقيم حفلتها، مع ما يستوجب هذا المكان الآخر من جيش موظفين وساعات إضافية؟
ما جدوى أن نفرح بمولود جديد إن لم نكن قادرين على تأمين مسكن لهذا المولود الجديد؟ أي ظلم أن تلعب أوركسترانا في قاعات لا تبريد فيها ولا خدمات لوجستية؟ لن “نطمح” في هذه “الحشرة” فنطالب بـ”دار أوبرا” مع أن لدى الوزارة عرضاً إسبانياً ببنائها رفضه المسؤولون بحجة أن هذا المال نقيم فيه مشاريع “أجدى” (أجدى؟!)، ولكن لماذا لا يكون عندنا مبنى مخصص للأوركسترا (إدارة وقاعات تمارين وصالة كبرى للحفلات والعروض) يكون في الوقت نفسه معلماً سياحياً ثقافياً حضارياً يجعل بيروت كسائر العواصم الحضارية في العالم؟
يا فخامة الرئيس (ونحن نعرف حرصك على واحاتنا الثقافية)، ويا دولة الرئيس (ونحن نعرف جهودك لإنشاء هذه الأوركسترا)، ويا معالي وزير الثقافة (ونحن نعرف وساعة أفقك الثقافي وسبق لك أن حضرت بعض عروض الأوركسترا وقدرت مستواها، أنتالعالي الثقافة وتعرف من أوروبا أهمية أن تكون عندنا أوركسترا سمفونية)، إنه نداء صارخ إلى ثلاثتكم معاً: أوركسترانا ضوء لبناني مرشّح للعالمية، فلا تتركوا هذا الضوء مشرداً بلا بيت.