الخميس 29 آذار 2001
– 195-
كان الحديث، في تلك الجلسة الربيعية، عما يتخبط فيه لبنان حالياً، وكان في بالي ما يؤول إليه لبنان اليوم، هو الذي رفد الحضارة بعطاءات في التاريخ تجعله عنواناً مضيئاً على الصفحة الأولى من كتاب التاريخ.
كل هيبة لبنان الثقافية والتاريخية والأثرية والمتميزة كانت في ذاكرتي، حين تقدمت من سفير الصين الذي كان معنا في تلك الجلسة، يصغي بتهذيب ديبلوماسي جم، ويتابع من دون تعليق. فسألته عن سر الحفاظ على التماسك في الصين، وآخر الإحصاءات دلّ على أن سكانها بلغوا ملياراً و270 مليون نسمة، ما يعادل 22 في المئة من عدد سكان العالم. فأجابني السفير بكل هدوء: “النظام الصارم الحازم بعدل”.
وإذ خلت أنني سـ”أفحمه” بنظرياتي السوسيولوجية التي تتفهم المجتمع اللبناني المتعدد بمختلف “عائلاته الروحية” ونعماه بالديمقراطية، إذا به “يفحمني” بمعلومات أخرستني وأخجلتني من فقش الموج عندنا إلى أعلى قمة بيضاء في جبالنا. فإذا في الصين 56 قومية، و29 لغة، و31 مقاطعة، و22 جارة حدودية (7 برية 15 بحرية) تتاخم حدوداً يبلغ طولها 16 ألف كلم، وإذا فيها 3000 نائب لا يجتمعون إلاّ مرة واحدة في السنة تحت قبة قاعة الشعب الكبرى، و29 وزيراً (لم يبلغوا الـ30) يجتمعون مرة في الشهر، و19 نائباً لرئيس مجلس النواب (أحدهم تمّ إعدامه في كانون الثاني الماضي لأنه دين بالاختلاس والفساد)، ومنذ الخمسينات يشهد البرلمان الصيني نساء في المجلس يبلغن اليوم 30 امرأة، و500 رئيس ونائب بلدية، ويعود الانضباط في الأمور إلى حكم النظام الحازم والصارم.
وقال السفير أن الناتج القومي يبلغ اليوم ألف مليار دولار وأن معيشة الشعب تحسنت خمس مرات في 20 سنة، والمتوقع أن يبلغ الناتج في 10 سنوات نحو 200 ألف مليار، أي ضعفي ما هو عليه اليوم، وذلك بفضل سياسة الانفتاح التي تنتهجها الدولة، وبفضل تدابير تتخذها، منها قرار بتحديد النسل من شأنه في 24 سنة خفض عدد السكان بمعدل 300 مليون نسمة (أي أكثر من مجموع سكان الدول العربية مجتمعة).
وتطور معدل الأعمار من 35 عاماً في الخمسينات إلى 71 عاماً حالياً، بفضل تحسن المعيشة واستقرار الحالة واستتباب العدالة بين فئات المجتمع المختلفة. ولذلك تحسن مستوى الفقر نحو عشر مرات: من 300 مليون فقير عام 1980 إلى 24 مليوناً حالياً، بينما إحصاءات الأمم المتحدة تصرخ مذعورة أن العالم يشهد سنوياً نحو 70 مليوناً من فقراء محرومين لا من حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والثقافية، بل من حقوق الأكل والشبع.
لماذا هذا التطور؟ يجيب سعادة السفير بكل هدوء صيني وبسمة واثقة: “بفضل الانفتاح منذ 1978، ووعي الحكم لمصالح الشعب، وتوزيع عادل للحقوق ومطالبة حازمة بالواجبات، وجعل المواطن سيد بلده وشريكاً في خيراته، وخاصة بفضل ما تشهد الصين من إصلاحات مستمرة متواصلة لا ترحم أحداً ولا تستثني أحداً، عملاً بمقولة دنغ مسياو بنغ: “حيث لا إصلاح للشعب، لا حياة للوطن”، وهذا ما يجعل التماسك الداخلي يسعد الشعب الصيني”.
بلد الـ10452 كلم مربعاً؟؟ ليته بلدية صغيرة في الصين، ذات نظام حازم حاسم.