الخميس 22 آذار 2001
– 194 –
لا دفاعاً عن اللبنانية العامية التي أكتب بها وأحبها، ولا انتصاراً للعربية الفصحى التي أكتب بها وأحترمها، فالموضوع لا يحتاج رأيي ولا رأي أحد، ونهر الحياة يجعل المحكية لغة يومية، وليس من يستطيع وقف هذا النهر.
غير أن الموضة التي بدأنا نشهدها أخيراً في التعاطي مع الإعلانات (مكتوبة في الصحف والمجلات واللافتات الكبرى على نواصي الشوارع والطرقات، أو صوتية في الإذاعات والتلفزيونات) أخذت منحى فوضوياً بات يؤذي العامية لأنه يأخذها إلى ما يؤذيها الفصحى لأنه يشوه كتابتها فيأخذها إلى ما يؤذيها.
فكيف نفهم مثلاً إعلاناً يشير إلى “خصم” في الأسعار (والمقصود “حسم”) ولا نكون أذينا العامية والفصحى معاً؟ إذا كان المقصود أن يفهم عامة الناس، فهؤلاء يفهمون “الحسم” من دون أن نتبنى الغلط في الكتابة ليفهموه.
وكيف نفهم كلمة مكتوبة بالهمزة الوقحة حين هي أصلاً بالقاف؟ صحيح أن معظم الناس يكتبون القاف ويلفظونها همزة، وهذا تقليد مألوف لفظ القاف همزة لحرية المتكلم. ولكن كلمة مكتوبة بالهزة نلفظها بالهمزة لا بالقاف، وبذلك نستثني بل نلغي فئة من القراء يلفظون القاف في حديثهم قافاً كاملة (أتذكر مثلاً الأديبة إملي نصرالله أو الصديق الوزير غازي العريضي) فكيف تتعامل هذه الفئة مع كدمات تكتب القاف همزة بكل وقاحة؟
وكيف نفهم كلمة مكتوبة بالزاي الوقحة حين هي أصلاً بالذال؟ صحيح أن معظم الناس يكتبونها ذالاً وعند الكلام يلفظونها بالزاي (أو يكتبون الثاء ويلفظونها بالسين)، لكن هذا لا يعني اغتيال حرف وإبداله بالحرف الذي يلفظه (ملغوطاً) لسان العامة، لأن هذه الطريقة تستثني بل تلغي كذلك فئة كبيرة من القراء يكتبون الذال ويلفظونها ذالاً (أتذكر جورج جرداق مثلاً أو الياس لحود أو محمد علي شمس الدين وسائر إخوتي شعراء الجنوب)، فكيف يتعامل هؤلاء مع كلمة “إذا” حين تكون، بكل وقاحة، مكتوبة “إزا”، أو “تمثال” حين هي مكتوبة “تمسال”؟
من الكلمات ما يؤذي الأذن، ومنها ما يؤذي العين. وهذه الكتابة “الإعلاناتية” الفوضوية تطالعنا على الطرقات العامة بكل وقاحة (والغباء ليس من صاحب النتاج المعلن عنه بل من الأمي الأرعن المسؤول عن تسويق إعلان صاحب النتاج) كتابة تؤذي أعيننا وذوقنا عدا كونها غلطا وقحاً يخلق الفوضى في الكتابة والتعاطي مع اللغة.
الحرف العربي ليس جاهزاً لكتابة العامية به؟ هذا موضوع آخر. لكننا حين نستعمل الحرف العربي للكتابة (عاميتها أو فصحاها) علينا أن نحترم كتابة هذا الحرف بحسب أصوله. ولذا كان من يدافع عن هذا الغلط الفوضوي الشائع بأن في اللغات الأخرى تعاطياً مماثلاً مع العامية، فالأمر هناك مختلف تماماً لأن مستعمليها يختصرون في الحروف ولا يغتالونها على حساب حروف أخرى. وهذه مسألة طويلة تحتاج إلى شرح طويل.
أصحاب الإعلانات فليعمدوا إلى وضع إعلاناتهم بين أيدي مسؤولين مثقفين غير أغبياء في كتابة إعلاناتهم، وألا انقلب الإعلان سلبياً عليهم، وجاءت ردود الفعل تماماً عكس ما يراد له وما يرغبون.
وليس أكثر أذى ممن يتوجه في عمله إلى القراء، وهو أمي جاهل أرعن.