الخميس 15 شباط 2001
– 189 –
سألني: “أإلى هذا الحد تشعر بالإحباط حتى باتت “أزرارك” في “النهار” على هذه الدرجة من اليأس والتشاؤم”؟
ما أتعس من لا يميز بين اليأس والغضب، بين التشاؤم والرفض، بين الإحباط وبين الغضب.
ليس في كلامي كله حرف واحد من الإحباط، ولا من اليأس والتشاؤم، بل فيه الغضب كله والرفض كله.
في كل كلمة قلتها، صدى هدير شبابنا الذين هنا يعانون، والذين حملوا تأشيرة سفر وغادروا لا يأسفون.
إنها صرخات الغضب البركاني الثائر منا نحن، الآباء الذين يجدون أبناءهم يتزأبقون من بين أيديهم.
غاضبون نحن، ولسنا محبطين. المحبط ضعيف الإيمان ولا يقاوم. ونحن أقوياء في إيماننا وتمسّكنا بوطننا.
المحبط ينكفئ، ييأس، أما نحن فلا ولن نيأس لأننا مؤمنون بلبنان. بتراثه، بتاريخه، بقيمه، بإنسانه، بريادته، وبدوره في المنطقة وفي العالم. من كان وطنه لبنان، على حقيقة ما هو لبنان، لا يمكن ولا يجوز له أن يصيبه الإحباط.
غاضبون لأن الفرق دراماتيكي بين لبنان الوطن النعمة، وبين لبنان الدولة التي لم تحاول، منذ الاستقلال، أن تسوس شؤون الوطن حتى يغنم أبناؤه من هذه النعمة. إن في العالم أوطاناً عادية جداً، لكن فيها دولاً قوية، حازمة، صارمة النظام والتخطيط، فيما نحن وطن قوي بإنسانه وتراثه لكن فيه دولة عادية بإزاء هيبة الإرث اللبناني.
لهاذ أبناؤنا يهاجرون، ولهذا نحن نغضب، لأننا نعرف أهمية وطننا ونحب وطننا ونريد لأبنائنا معنا ومن بعدنا أن يحبوه بهذا الوعي فلا يتركوه إلى أوطان، بعضها مهم وبعضها عادي لكن في جميعها نظاماً تفرضه هيبة الدولة فيها.
غاضبون نحن، ولسنا محبطين، والغضب صحة وعافية. حتى المسيح لم يكن يقصدها حين قال: “من ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر”. حتى هو، في ساعة غضب، حمل سوطه ودخل الهيكل ثائراً هائجاً بركانياً وراح يصرخ مرعداً: “بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص”. فكيف بنا نحن، والوطن كله صار هيكلاً مستباحاً للكتبة والفريسيين واللصوص واليوضاسيين والمستزلمين وأزلام المستزلمين والمستسلمين ومحاسيب المستسلمين.
الوطن ليس ملكاً لنا بلا لأولادنا. تسلمناه من أجدادنا وآبائنا ونسلمه نحن لأولادنا. فماذا نهيئ لهم فيه؟ الوطن سقف حماية وأرض طمأنينة فكيف نقنعهم به وهو يهاجرون لأن الذي في الوطن غربة والكرامة في الغربة وطن؟
غاضبون نحن ولسنا محبطين. غاضبون لأننا نحب لبنان عاطفياً ووطنياً، لكننا نريد أن نحب لبنان الدولة كذلك. يعني دولة النظام النظام النظام، نظام العدل والمساواة بين جميع المواطنين، نظام القضاء على شريحة كبرى من سياسيين محميين، يسرحون على خريطة الوطن، ويمارسون التفشيخ على كرامة المواطنين.
غاضبون نحن، لأننا نعرف أنهم يعرفون، لكنهم يتصرفون كأنهم لا يعرفون أننا نعرف.
إن مياه النبع، يمكن حبسها لبعض الوقت مرات، وفي بعض الأمكنة مرات، لكنها ستنفجر في وقت ما، من مكان ما، لتصبح هي الوقت وهي المكان. وهكذا المشاعر الغاضبة، ستنفجر ولن يدري مسبقاً بها أحد، تماماً كمياه النبع التي لا يدري مسبقاً أحد كيف ستنحبس، ولا متى وأين.