الخميس 22 شباط 2001
– 190 –
من قال إن الناس لم يعودوا يستمتعون بالعشاء في المطاعم إلاّ إذا كان مصحوباً بـ”مطرب” وفرقة موسيقية؟
من قال إن هذه الموضة الثقيلة السمجة المزعجة تجلب الزبائن إلى المطاعم، ليتمتعوا بالفاصوليا مع الغناء، والموسيقى مع الشورباء، وطرطقة الصحون والملاعق مع طرطقة ما يسمى (زوراً وإجحافاً) ألحاناً وغناءً و”طرباً”؟
إذا كان أصحاب المطاعم يعتقدون أنهم، هكذا، يُغرون زبائنهم أكثر بقصد مطاعمهم، فليفهموا أن هذه الظاهرة (التي تفشت في مجتمعنا حتّى أقبح درجات الإزعاج) أمست عاملاً سلبياً يبعد الزبائن عن تلك المطاعم.
وإذا كان “المطربون” (و”المطربات” طبعاً) يعتقدون أنهم، هكذا، يرتقون سلّم المجد والشهرة والأضواء، فليفهموا أنهم مصدر إقلاق راحة، وإزعاج، واشمئزاز من الحاضرين الذين، ولو صفقوا لهم في نهاية “الأغنية”، إلاّ أنهم، خلال الأغنية، منهمكون ببطونهم وصحونهم ولا يصغون إلى “الفن الرفيع” الذي يجعر على الميكروفون.
ويزعج أكثر، بعد، هذا الصخب العالي في ضجيج الفرقة الموسيقية، بين السنتيسايزر والطبة والدف ومجمل الآلات وإيقاعات لا تخترق الأذن بل تثقبها، ولا تمتع المستمع بل تقتل أعصابه حتى يضع القطن في أذنيه، ولا “تطرب” الحاضرين بل تزعجهم إزعاجاً وقحاً لأنها تمنعهم من مواصلة السهرة مع بعضهم البعض وتجعل رفاق الطاولة الواحدة عاجزين عن التفاهم إلا بالإشارات والإيماءات بالأيدي، والشتائم المنهالة على المطرب الحنشليل، وعلى الفرقة الموسيقية التي يصل ضجيجها إلى آخر المدينة ويقلق النائمين في حي المطعم.
هذا كي لا نتحدث عن “المطربين” كقيمة فنية (واستغفر الفن، هنا، من عبارة “قيمة فنية”) لأن لمعظمهم جعيراً لا صوتاً، وتعتيراً لا غناءً، وتشويه أغاني المطربين الكبار لا تقديم الأغاني الخاصة التي، حين تكون لهم، هي من أدنى مستويات الكلمات واللحن والغناء لأنها، سلفاً، موضوعة لإمتاع ساهرين أكولين حين تمتلئ بطونهم يحتشدون على حلبة الرقص حتى يفزوا وينطوا، وعلى حذائهم مستوى كلمات الأغاني وألحانها، فكل همهم أن يسمعوا إيقاعاً لترقيصهم، وصوتاً ليرافق رقصهم، وفرقة موسيقية تطرطق بما يجعلهم يرقصون.
وما أقوله عن المطاعم، أقوله أيضاً عن حفلات العرائس والظهور والمناسبات، حيث الغناء بات موضة ترافق حفلات الأكل فتفسد على الحاضرين الاستمتاع بالمناسبة وبالأكل وبالسهرة وبالتحدث مع بعضهم البعض.
إن الساهرين، في أكثريتهم الساحقة، باتوا يهربون من مطاعم تقد لهم اللحم (واللحن) المشوي مع “المطرب”، والتبولة والمازة مع “المطربة”، والمحشي كوسى وكأس العرق مع “الراقصة”، فليفهم أصحاب المطاعم أن هذا “الزعيق” في مطاعمهم انتهى إلى “تهشيل” الزبائن الذين يريدون عشاء تتخلله موسيقى خفيفة، ناعمة، هادئة، لمتعة السهرة، وهذه يمكن أن تكون موسيقى (أو أغاني) مسجلة، فلا ضرورة لـ”مطرب” يزعج الناس ويرفع سعر فاتورة المطعم.
قليلاً من الحياء يا صيصان المطاعم وقبابيط القهاوي… نريد أن نتعشى بهدوء، وبدون “طربكم” المزعج.