الخميس 18 كانون الثاني 2001
– 185 –
حسناً فعل الوزير فؤاد السنيورة بجعل مشروع زيادة الرسم المقطوع (5000 ليرة) على فاتورة الهاتف (ثابتاً وخلوياً) في خانة “مجرد اقتراح مقدّم من الموازنة مطروح أمام المواطنين ليعطوا رأيهم فيه”. ذلك أنه الوزير السنيورة، وهو التقني الخبير في مهنته وحرفته، يعرف أن هذا الاقتراح سيرفضه الشعب كله، منقضاً على الفكرة انقضاض من جاء يسلب الناس مالهم ليدعم مؤسسة ليست أصلاً في اهتمامات الناس ولا في أولوياتهم.
فالإعلام الرسمي لم يفق بعد، حتى اليوم، من سبات عميق طويل ما زال يغط فيه منذ سنوات الحرب حين نبت الإعلام الخاص كالفطريات متعدداً متشعباً في سرعة وحيوية، حتّى طغى على الإذاعة الرسمية و”تلفزيون لبنان”، وحتى غفل الناس عن موقع الإذاعة على شاشة الجهاز وعن موقع التلفزيون بين بقية الشركات الخاصة.
وهذا الأمر مؤسف ومحزن معاً، لأن الإعلام الرسمي يجب أن يكون هو في الواجهة، لا أن يصبح مستوعباً لأخبار المسؤولين واستقبالاتهم وزياراتهم ونشاطاتهم وتصريحاتهم ومقابلاتهم وندواتهم وحفلات عشائهم وغدائهم وأسفارهم ولقاءاتهم وفي جميع مناسباتهم لابدّ من أن “يدلوا” بتصريح مناسب.
الناس مجوا هذا الإعلام وكرهوه، ولذلك أشاحوا عنه، ولذلك لم يعد يهمهم، ولذلك ثاروا، وسوف يثورون أكثر، حين تسألهم الدولة زيادة 5000 ليرة على فاتورة هاتفهم من أجل “دعم” هذا الإعلام الرسمي.
وليس غافلاً عن بال أحد من اللبنانيين ما في “الوكالة الوطنية للإعلام” وفي “تلفزيون لبنان” وفي “إذاعة لبنان” من “فيض” مرهق مجرم في عدد من يتقاضون رواتب في آخر الشهر ولا وظيفة لهم أو منصب سوى أنهم من المحاسيب والأزلام، أدخلهم المتنفذون من السياسيين تنفيعة انتخابية، فأرهقوا بهم موازنة الدولة بملايين لو استطاعت الدولة حسمها على هؤلاء المتنفعين لكان ذلك وحده أكبر دعم للإعلام الرسمي وانتعاشه.
ماذا يفعل هؤلاء الطفيليون الجرثوميون في الوكالة والإذاعة والتلفزيون؟ وهل يعلم الناس حقيقة الأرقام التي تدفعها لهم الدولة ولا يستطيع مسؤول في المؤسسات الثلاث: “زحزحة” أي واحد منهم لأن وراء كل واحد مسؤولاً سياسياً يدعمه ويحميه؟ وهل يعلمون كم يعاني مدير الوكالة ومدير التلفزيون ومدير الإذاعة من إرهاق في موازناتهم وهموم في تأمين المعاشات آخر الشهر لأن الموازنة تنوء تحت رقم هائل لرواتب تذهب هدراً للأزلام والمحاسيب؟
الحلّ ليس في فرض ضريبة شهرية لـ”تمويل مشروع دمج “تلفزيون لبنان” و”إذاعة لبنان” و”الوكالة الوطنية للإعلام” في هيئة عامة موحدة”. الحل هو في “تطهير” المؤسسات الثلاث من الطفيليين فيها والمحاسيب والأزلام، وإبقاء طيبين قلائل فيها (مسؤولين وموظفين وعمالاً) ما زالوا يقومون بواجباتهم في صمت وقهر وكفاءات مهنية وتقنية عالية، ومن ثم العمل على دمج المؤسسات الثلاث في هيئة عامة تكون فاعلة فيشعر المواطنون بفائدتها وعندئذ يقبلون عليها باقتناع ويدفعون لأجلها ضريبة.
أما أن يظل الهدر مجرماً بهذا الشكل، فكل ضريبة إضافية لأجله ستكون جريمة إضافية.