الخميس 25 كانون الثاني 2001
– 186 –
مرعب هذا التقرير الذي نشرته “النهار” أول من أمس (الثلثاء- ص 13) عن تقرير تقويمي أصدره مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة الدولية، والذي اعتبر أن “ظاهرة الفساد في لبنان تنتشر أكثر ما تنتشر في صفوف الطبقة السياسية التي سواء في السلطة أو خارجها، وهي تستنزف من الحكومة مواردها المالية فتهدر أكثر من مليار دولار سنوياً، وهي السبب في الحدّ من النمو الاقتصادي، وهي السبب في إحباط عزيمة الكفاءات الجديدة…”.
مرعبة هذه الحقيقة المريرة السامة القاتلة التي نحسها كل اليوم، ونعيشها كل يوم، ونموت منها كل يوم، ويهاجر بسببها أبناؤنا كل يوم، وها هي الأمم المتحدة، بمصداقيتها المعروفة دولياً، تنشر وقائع وأرقاماً وإحصاءات تدفع الذين بين شبابنا لم يفكروا بالهجرة بعد، أن يهرعوا إلى أول سفارة تفتح لهم أبوابها.
مرعبون هؤلاء السياسيون الغيلان (جمع غول ولعلّهم مفرد متناسل بصيغة الجمع) ينهشون لحم الوطن وشعب الوطن ومال الوطن ومستقبل الوطن ويحرقون ورقة المئة دولار كي يشعلوا سيجارة أحلامهم وأطماعهم ونواياهم.
مرعبون هؤلاء الذين انخرعوا بموضة الـ”توك شو” حتى باتوا يحتلون شاشات تلفزيوناتنا وميكروفونات إذاعاتنا (ببرامجها ونشرات أخبارها) ويتقيأون كلامهم الفارغ الأجوف المتثعلب الذئبوي، غير مدركين أن الشعب يمجهم ويقذفهم بأقسى تعابير البغض وأشنع شتائم الحقد وألعن كلمات الغضب، وأنه فاضحهم جميعاً ولا يصدّق من كلامهم كلمة واحدة، فيما هم يعتبرون المواطنين فئران مختبر يجرون عليها تجاربهم ويمارسون بها حياتهم السياسية.
مرعبون هؤلاء الذين يمصتون مال الشعب وأحلام الشعب وآمال الشعب، فيما هم (النواب مثلاً) يزيدون من رواتبهم ومخصصاتهم بلا شفقة على الخزينة، أو يتقاضون (النواب السابقون مثلاً) رواتب مدى الحياة وتعويضات ترهق خزينة الدولة، أو أنهم جاؤوا (بعض الوزراء مثلاً) بمعادلات مذهبية أو طائفية أو دينية أو “إقليمية” أو محسوباتية أو استسزلامية أو استسلامية، وفي جميع الحالات لا يمثل معظمهم فئات الشعب ولا أصواته.
مرعبون هؤلاء الذين يتشدقون يومياً بالعمل لمصلحة الوطن فيما هم يعملون ضدّها (مليار دولار هدر (!!) كما جاء في تقرير الأمم المتحدة)، ولو ان هذا الهدر وحده أزيل فقط، لكفانا كي ينخفض كثيراً ميزان عجز الدولة.
ويقول التقرير “الذين في السلطة وخارجها”، وهو على حق، لأن الذين ليسوا في السلطة انتقلوا إلى المعارضة (لمجرد أنهم ليسوا في السلطة) أو ما زالوا يمارسون إرهابهم المصروفي على الدولة عبر أزلامهم ومحاسيبهم وجماعاتهم في الوظائف العامة التي تعج بهم فائضاً مرعباً من العدد الذي رواتبه تقصم ظهر الخزينة (مشكلة الإعلام الأخيرة مثلاً).
مرعبون هؤلاء الذين عندنا يقضمون قالب الجبنة نهشة بعد نهشة (“الفروماجيست” كان يسميهم الرئيس فؤاد شهاب، أي “أكلة الجبنة”) ويستريحون على أكتاف الشعب كي ينبطح في خدمتهم الشعب، بينما السياسيون في أميركا مثلاً معروفون بعبارة public servant أي “خادم عام للشعب”. فأين أولئك ممن عندنا وما عندنا؟
تقرير الأمم المتحدة، فليوزع في كل بيت لبناني، وليحمله كل مواطن مع بطاقة هويته.