الجمعة 10 تشرين الثاني 2000
– 175 –
في الثامن عشر من تشرين الماضي، تلقت الكاتبة ليلى العثمان من مكتب الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت رسالة تهنئة على نيلها “جائزة الدولة التشجيعية في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية لسنة 2000 في مجال الأدب- جائزة القصة القصيرة- عن كتاب “يحدث كل ليلة”…”. وبعد التهنئة تضيف الرسالة أن “الأمانة العامة ستقيم احتفالاً خاصاً بهذه المناسبة ضمن أنشطة مهرجان القرين الثقافي السابع بين 6 و25/1/2001″، وختمت الرسالة بعبارة: “نتمنى لكم دوام التوفيق ومزيداً من الإبداع لخدمة وطننا الغالي”. وزيادة في التفصيل، حملت ورقة الرسالة كذلك هيئة “المكتب التنفيذي للاحتفال بالكويت عاصمة للثقافة العربية”.
وعلى قدر فرحنا بالخبر الذي قرأناه في الصحف اللبنانية صباح 21 تشرين الماضي، فوجئنا قبل أيام بخبر معاكس وغريب عجيب، يفيد بأن وزير الإعلام سحب الجائزة من صاحبتها لأن الكتاب موضوع الجائزة هو أيضاً موضوع جدل ومناقشات ومحاكمات بسبب ما ورد فيه من مقاطع أزعجت جهات غير دنيوية.
أننا، ومع حرصنا على عدم التدخل في شؤون داخلية تعني دولة غير دولتنا، نقف باستغراب وأسف أمام هذه الظاهرة على الصعيد الأدبي العام، انطلاقاً من قضية ليلى العثمان. فبعد جلجلة أسابيع خضعت أثناءها الكاتبة لمحاكمات وجلسات واستجوابات، ها قضيتها من جديد تثير مسألة العلاقة بين المثقف والدولة عموماً في هذه البقعة المحيطة بنا. واستغرابنا والسف أن تظل أنظمتنا تصادر الفكر والقول غير مدركة أن العصافير غير القطارات الموجهة والخاضعة للسكك وبطاقات السفر وتأشيرات المرور، فالعصافير لا تسير على سكة الدولة.
وفيما الكويت تسحب الجائزة من ليلى العثمان، تحتفي بها بيروت فتستضيفها للتوقيع على كتابها “المحاكمة” (قصّتها مع القضية الأخيرة التي سببتها لها الأجهزة نفسها الساحبة اليوم الجائزة منها)، علماً بأن الجائزة لم تمنحها إياها الوزارة بل المجلس الوطني للثقافة بناء على ترشيحات لجنة تشكلت من شخصيات كويتية وغير كويتية.
مرة أخرى نعود إلى القصة نفسها: المثقف والدولة، ونعود إلى قصة غاليليه والقضاة، وإلى السؤال التقليدي: من ذا يعرف اسم وزير واحد من أيام غوته أو دانته أو شكسبير أو هوغو، ومن ذا يعرف اسم القاضي الذي أصدر الحكم على بودلير وكتابه “أزهار الشرّ” أو على ستندال وكتابه “الأبيض والأسود”؟
بائس رجل في الحكم يتنطح لكاتب (زوراً أو تحت ضغط) لأن من في الحكم يزول مع زوال الحكم، ويستمر الكاتب في التاريخ منارة.